مقالات وكتاب

لنحقق حلمهم.. ونشارك فرحتهم

بقلم د. عصام عبداللطيف الفليج

دخل جاسم المسجد، وصلى ركعتين تحية المسجد، وجلس جانبا يقرأ القرآن، وأقيمت الصلاة فلم يقم، واصطف المصلون ولم يقم، وكبر الإمام ولم يقم، وافتتح الإمام بالقراءة ولم يقم، وهو منكب على مصحفه، فلما دخل أحد المصلين للالتحاق بالصلاة ورآه جالسا، لم يأبه به لأن همه اللحاق على الركعة، ودخل آخر وظن انه غافلا أو جاهلا بأحكام الصلاة، فناداه وأشار إليه فلم يرد عليه، فتركه والتحق بالصلاة، ثم دخل صديقه فرآه جالسا فذهب إليه وهزه مشيرا إلى إقامة الصلاة، فأغلق المصحف والتحق بالصلاة.
ورأوه المصلون بعد انتهاء الصلاة يكلم صديقه بالإشارة، فعرفوا أنه أصم، وأنه لم يسمع الإقامة ولا التكبيرة ولا قراءة الإمام.
نعم.. هكذا يعيش الصم حياتهم في صمت مدقع، لا يستشعرون حركات الحياة وأصواتها وأنغامها وإيقاعها، وبهذا الصمت يعيشون أحلاما لأن يعوا ويستوعبوا ما يجري حولهم، فهم يحلمون بتعلم قراءة القرآن وتدبره، وبالذات الفاتحة أم الكتاب لتكون صلاتهم صحيحة، ويحلمون بمعرفة كيف ينطق القرآن لعلهم يقرأون شفاه من يقرأ القرآن ويفهمونه، ويحلمون بمعرفة شرح القرآن وتفسير آياته، ويحلمون بحضور صلاة الجمعة مع مترجم الإشارة ولو في مساجد محددة في كل محافظة، ويحلمون بحضور الندوات الدينية بوجود مترجم.
ليس ذلك فحسب.. فإنهم يحلمون بأطباء وممرضين يعرفون لغة الإشارة ليشرحوا لهم معاناتهم ومرضهم وآلامهم، ويحلمون بشرطة يعرفون كيف يتعاملون معهم، ويحلمون بطريقة تسهل الاستغاثة بالنجدة والمطافئ والاسعاف والطوارئ (112)، ويحلمون بطريقة تيسر قبولهم وتعلمهم في الكليات والمعاهد.
ما أكثر أحلامهم، وما أكثر غفلتنا عنهم.
من هنا كانت مبادرة “جمعية المنابر القرآنية” للتوجه إلى هذه الفئة النشطة والحيوية في المجتمع، وتوفير معلمين وموجهين لتعليم القرآن الكريم وعلومه، حفظا وشرحا وفهما، كل وفق إمكاناته وقدراته، من الذكور والإناث، لمختلف الأعمار، وكانت البداية في مسابقة حفظ القرآن الكريم في شهر رمضان الماضي برعاية مبرة عقاب الخطيب رحمه الله، وحققت نجاحا طيبا.
وأسست “جمعية المنابر القرآنية” مركز تدريب موازي لعلوم القرآن المختلفة، لمختلف فئات المجتمع، ومحاولة دمج تلك الفئات مع المجتمع من خلال التميز في معرفة كتاب الله، وتوفير ورش تدريب للغة الإشارة بشهادة معتمدة، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية وجهات الاختصاص العلمية، والاستفادة من خبرات دولية، وكل ذلك بدعم ورعاية طيبة من أ. هند الصبيح وزير الشؤون الاجتماعية.
وانطلقت الآن حملة:
” #لنحقق_حلمهم ” بمشاركة عشرات المؤسسات الوطنية، وتهدف “جمعية المنابر القرآنية” من هذه الحملة الإشارة إلى فئة “الصم”؛ هذه الفئة المنسية من المجتمع ومؤسساته، وعرض الخدمات التي يحتاجونها، ودعوة المجتمع للتضافر لتحقيقها.
ويرأس هذه الحملة الشيخ د.خالد المذكور، وبمعيته الشيخ د.محمد العوضي، والشيخ فهد الكندري، والذين سيحضرون افتتاح حملة “لنحقق حلمهم” يوم السبت القادم 14 أكتوبر 2017م، الساعة العاشرة صباحا، في مجمع “ذي غيت مول” في العقيلة، وستستمر الفعاليات المتنوعة حتى الساعة العاشرة مساء.
وسيعرض العديد من الصم إمكاناتهم المتنوعة في مختلف المجالات، من خط ورسم ومهارات وقدرات متعددة، إلى جانب القرآن الكريم، كما سيتم تعليم الجمهور أوليات لغة الإشارة من بعض المدربين المحترفين، وستقام هذه الحملة أيضا برعاية وزير الشؤون الاجتماعية أ.هند الصبيح مشكورة.
ولعلها دعوة للجميع لحضور هذه الفعاليات على مدى 12 ساعة، لجميع الناس، ولجميع الفئات، ولجميع الأعمار، تشجيعا لفئة الصم، ودعما لهم، لعلنا نستطيع تحقيق حلمهم،ونشاركهم فرحتهم، وبالأخص الرموز الفنية والرياضية والإعلامية.
وهي أيضا دعوة لمؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في هذه الحملة المستمرة، بما تيسر من إمكانات؛ مالية وإدارية وعلمية وفنية وإعلامية وبشرية ولوجستية.. وغير ذلك، فباب المشاركة مفتوح، وباب الخير واسع.

الوسوم
إغلاق
إغلاق