مقالات وكتاب
سعادة.. يعكرها الألم
بقلم: م. مهدي الدخيل
يسود البلاد جو من الابتهاج والسعادة ومظاهر الفرح تبدو على محيا المواطنين وأغلب المقيمين في ذكرى الاستقلال والتحرير وبالرغم من سعادة مناسبة التحرير خاصة، فإن من عاش تلك الفترة وعاصر الغزو وما قبله لا يجد بدا من الشعور بوخز الألم في خضم هذه الفرحة، فما مر بالبلاد والعباد أثناء الغزو والاحتلال وحرب التحرير كان قاسيا لا يمكن أن تخمل الذاكرة عن تذكره.
عاشت البلاد قبل الغزو جوا من الاحتقان السياسي الشديد كان أحد أهم محفزات الغازي على الشروع في ارتكاب جريمته، فقد حل مجلس الأمة وعلقت مواد الدستور وأنشئ المجلس الوطني ليزيد الطين بلة، فرافق إجراءات السلطة رفض شعبي علني تمثل في عقد دواوين الاثنين وحرص جمهور غفير على حضورها وسماع ما يقال في ندواتها رغم محاولات السلطة لمنع الوصول اليها بمحاصرة مواقع الدواوين، واستهداف من تمكن من عبور الحواجز والحضور بالضرب وقنابل الغازات المسيلة للدموع.
استمر الاحتقان بالتفاقم حتى جاء الغزو وتفاجأ المعتدي بتمسك الكويتيين بشرعيتهم، رغم ما حصل، ولم يجد الا شعبا رافضا تمام الرفض للغزو والاحتلال، بل ومارس الجميع مقاومة الاحتلال بالعصيان المدني، وتشكلت خلايا المقاومة المسلحة في جميع مناطق البلاد لتقض مضاجع الغزاة، وتشتت ما أمكن من شملهم، فاستشهد الكثير وأصيب الأكثر دفاعا عن الوطن والشرعية.
أمطرت السلطة خلال الاحتلال العراقي الشعب الصامد في الداخل والخارج بالوعود وتحقيق الاماني حتى جاء التحرير وتبخرت معه تلك الوعود، فتفاجأ الشعب بعودة انعقاد المجلس الوطني فاهتزت الثقة وعادت الى الساحة السياسية بوادر الاحتقان التي سبقت الغزو، وبدأت في التفاقم حتى صدر مرسوم قتل المجلس الوطني والدعوة لانتخابات مجلس الأمة، لتهدأ الأمور الى حين.
كانت دروس الغزو والاحتلال والتحرير ثمينة للغاية ولكن اتضح مما تم من إجراءات وممارسات لاحقة استمرت الى يومنا هذا بأنه لم يتم الاستفادة من أي منها.
إن أهم الدروس، برأيي المتواضع، هي أن المعتدي لم يكن ليتجرأ على ارتكاب عدوانه الا بسبب ما رأى من احتقان وملاحقات ومضايقات لأصحاب الرأي في البلاد، فكان فهمه وفق ثقافته أنها الفرصة الذهبية لتنفيذ جريمته، وتوهم أن يكون وجوده محل ترحيب من القلة الملاحقة على أقل تقدير وهذا ما لم يكن، فقد كانت تلك الرموز هي أول الشرائح تمسكا بالشرعية والدعوة لمقاومة الاحتلال، فنالها في سبيل ذلك من القتل والأسر والتنكيل ما نالها.
ما أشبه اليوم بالبارحة، فهل كان لما يسمى بالحشد الشعبي أو بمجاميع مجهولة الهوية أن تتجرأ على تهديد الدولة أو حدودها لولا شعورها بنفس انطباع الغازي في ذلك الوقت؟!
فالاحتقان قائم وملاحقات أصحاب الرأي مستمرة والمضايقات وصلت الى إجبار البعض على هجر البلاد ولجوئهم الى أخرى!!
إن للتاريخ دروس وعبر فالفطن من استوعبها واستفاد منها.. فـ”المؤمن” لا يلدغ من جحر مرتين!!أفما آن الأوان لأن تعود الثقة بين السلطة وكامل الشعب ليسود التسامح والاستقرار السياسي ويفرح الجميع فرحة صافية نقية لا يعكرها ألم ونكون من المستفيدين من عبر التاريخ ودروسه؟!!