تربية وتعليم

ناصر : الملك عجل بالثورة .. والأحزاب رفضت الرئاسة بشرط الجلاء!

22

“في يد القارئ أوراق لم تكتب للنشر، بل كتبها جمال عبدالناصر لنفسه، فجاءت معبرة عن أفكاره ومعتقداته وسياساته في تطوراتها المختلفة. وأعترف أنني أعدت اكتشاف والدي، عندما بدأت في التفرغ للعمل في هذا الكتاب منذ خمسة أعوام، فبالرغم من أن والدي كان كثيراً ما يحدثنا عن طفولته غير السعيدة؛ خاصة بعد رحيل والدته وهو في الثامنة من عمره، وعن ضيق الحال لأسرته، فقد وجدتني أتأثر جداً عندما قرأت ما يترجم ذلك من الخطابات المتبادلة بينه وبين والده وأصدقائه”.

هكذا تكتب د.هدى جمال عبدالناصر في مقدمة كتاب “60 عاماً على ثورة 23 يوليو: جمال عبدالناصر الأوراق الخاصة” الصادر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، في ثلاثة أجزاء إعداد ابنته هدى.

ويتحدث الجزء الأول “جمال عبدالناصر طالبا وضابطا”، عن نشأة عبدالناصر ثم دخوله الكلية الحربية وتخرجه منها، وخدمته فى السودان والعلمين ثم الاستقرار بالقاهرة، حتى أصبح قائدا للضباط الأحرار.
ويتناول الجزء الثانى “الثورة فى سنواتها الأولى”، تغيير النظام القائم وصدام الجيش مع الأحزاب والجماعات السياسية والتغيير الدستورى وإعلان الجمهورية، ثم مفاوضات الجلاء، بمراحلها.
أما الجزء الثالث: تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثى على مصر فى 1956 ويتناول مقدمات الصراع السياسى والعسكري، معركة السد العالى وتأميم قناة السويس، ثم العدوان الثلاثى على مصر، والمعركة السياسية بعد وقف إطلاق النار.

تواصل الابنة في مقدمة الكتاب: لم أكن أعرف شيئاً عن دور والدي الوطني وهو طالب، إلا حادث اعتقاله وهو يسير في مظاهرة لا يعرف عنها إلا أنها ضد الحكومة، حتى وجدت ضمن أوراقه مسودة خطاب ألقاه في الطلبه في عام 1935، أثناء الانتفاضة الوطنية المطالبة بالجلاء وعودة الدستور، حيث كان في ذلك الوقت رئيساً لاتحاد الطلبة في مدارس النهضة، ولشدة دهشتي لم يختلف روح هذا الخطاب عن خطاباته في أول الثورة.

وعرفت من أوراقه – تتابع – أن والدي تمت ترقيته إلى رتبة صاغ أثناء الحرب، وأيضا حصل على نجمة فؤاد العسكرية خلال حرب فلسطين.

وبحثت كثيراً علني أجد ولو ورقة واحدة عن تنظيم الضباط الأحرار بلا جدوى، وتذكرت أنه كان تنظيما سريا، ومن الطبيعي ألا يسطر حرف واحد عنه حتى لا ينكشف أمره، وبعد فترة وجدت وثيقة هامة جداً تحوي خطة ليلة 23 يوليو -ليلة الثورة – وضعها زكريا محيي الدين، وأدخل جمال عبدالناصر إضافات عليها بخط يده.

وحين وجدت الأوراق المتعلقة بالمفاوضات المصرية البريطانية حول الجلاء انتابني الفضول حول أسباب قطع المفاوضات، وأوجه الخلاف بين الجانبين، والعمل الفدائي في منطقة القناة ضد الإنجليز الذي أدى في النهاية إلى عقد اتفاقية الجلاء في 19 أكتوبر 1954.

إنني اكتشفت بين أوراق والدي التي جمعها في دولاب بمكتبه بالمنزل؛ أنه كان يدون كل شئ بيده، بيانات الحكومة المصرية، التحركات العسكرية ومعها توجيهات، المقالات الصحفية، التصريحات السياسية على لسان مسئولين مصريين، وتلك لم تكن كل أوراق جمال عبدالناصر، بل هي فقط التي كانت في مكتبه بمنزله في منشية البكري، أما باقي أوراقه فهي حبيسة في أرشيف رياسة الجمهورية بعابدين.

متى أصبح عبد الناصر ثورياً لأول مرة؟

هذا سؤال كما يقول عبدالناصر في مذكراته تستحيل الإجابة عليه، فهذا الشعور أملاه عليّ تكويني ونشأتي ، وغذاه شعور عام بالسخط والتحدي اجتاح كل أبناء جيلي في المدارس والجامعات، ثم انتقل إلى القوات المسلحة.

يقول عبدالناصر: وما زلت أذكر بوضوح أول صدام لي مع السلطة في عام 1933، وكنت يومئذ تلميذاً في الإسكندرية، لم أبلغ بعد الخامسة عشر من عمري، وكنت أعبر ميدان المنشية في الإسكندرية، حين وجدت اشتباكاً ين مظاهرة لبعض التلاميذ وبين قوات من البوليس، ولم أتردد في تقرير موقفي، فانضممت إلى المتظاهرين، دون أن أعرف سبب المظاهرة، وشعرت أني في غير حاجة إلى سؤال؛ رأيت أفراداً من الجماهير في صدام مع السلطة، واتخذت موقفي في الجانب المعادي من السلطة.

وفي الاشتباكات هوت عصا على رأسي من البوليس، تلتها ضربة ثانية حتى سقطت، ثم شُحنت إلى الحجز والدم يسيل من رأسي، ولما كنت في قسم البوليس عرفت أنها مظاهرة نظمتها جماعة مصر الفتاة للاحتجاج على سياسة الحكومة.

وقد دخلت السجن تلميذا متحمساً، وخرجت منه مشحوناً بطاقة من الغضب، وقد مضى بعد ذلك زمن طويل قبل أن تتبلور أفكاري ومعتقداتي وخطتي، وذلك حتى في هذه المرحلة المبكرة كنت أعلم أن وطني يخوض صراعاً متصلاً من أجل حريته.

ويعرض الكتاب في نهاية الجزء الأول جزء من منشورات الضباط الأحرار والتي تؤكد جميعها أن الجيش مع الشعب، فالجيش كما جاء في المنشورات هو جيش الأمة وليس جيش فرد من الأفراد، فالأمة هي التي تنفق عليه، ودافعوا الضرائب  من أبناء الشعب هم الدين يدفعون مرتبات هؤلاء الجنود، وهم الذين يسلحونهم، فمهمتهم الأولى أن يكونوا في خدمة الشعب لا في خدمة إنسان آخر.

الثورة في سنواتها الأولى

في عام 1948 كان الحدث الجلل الذي هز مصر والعالم العربي كله، هو تمكين بريطانيا اليهود من السيطرة على فلسطين في مايو 1948 تنفيذاً لوعد بلفور 1917، وعلى الفور هبت الدول العربية لتساند الفلسطينيين في مواجهة الغزو الصهيوني، جيوش سبع دول عربية غير متحدة، تحت سيطرة الأجنبية، فحدثت الهزيمة الكبرى في فلسطين وأدرك ضباط الجيش المصري بعد ظهور بوادر الخيانة وشيوع أخبار الأسلحة الفاسدة التي اشتراها الحكام بسعر رخيص وباعوها للجيش، أن معركتهم أصبحت ليست في فلسطين وإنما في القاهرة التي يجب أن تتحرر أولاً، فكان الملك هو هدف الضباط الأحرار الأول من نهاية عام 1948 حتى 1952.

وقد غالبت جمال عبدالناصر مشاعره الغاضبة قرب نهاية حرب فلسطين، بعد أن جُرح مرتين في المعركة، وفور العودة من فلسطين أعيدت الحياة إلى تنظيم الضباط الأحرار مرة أخرى وبدأ التخطيط لخلع الملك وقلب نظام الحكم.

ليلة الثورة

كما يشير الكتاب، فقد كان في نية الضباط الأحرار القيام بالثورة في عام 1955، لكن الحوادث أملت عليهم التحرك قبل ذلك بكثير. لقد تصاعدت الحوادث العنيفة ثم حريق القاهرة في 26 يناير 1952، وسط تراشق السياسيين بالاتهامات، وغضب الجماهير وعدم اتخاذ السلطات أي إجراء لمواجهة الموقف، فلم تصدر الأوامر للجيش بالنزول إلى القاهرة إلا في العصر، بعد أن دمرت النيران المباني وسببت خسائر جسيمة.

ولقد شعر جمال عبدالناصر أن تأخير محاولة القيام بالثورة مسألة مستحيلة، مع سرعة تحرك الحوادث وتحفز الاستعداد الثوري، ثم أن هيبة الملك فاروق أصبحت في الحضيض؛ ولذلك قدر أن الموقف ساعتها مناسب لقلب نظام الحكم.

وفي ليلة الثورة 22 يوليو 1952 في نحو الساعة العاشرة مساء، جاء إلى بيت جمال عبدالناصر ضابط من المخابرات عضواً من تنظيم الضباط الأحرار وأخبره أنه قد تم الاتصال برئيس أركان حرب الجيش الذي دعا إلى عقد اجتماع عاجل في مقر قيادة الجيش في كوبري القبة من الساعة الحادية عشر مساء، لاتخاذ الإجراءات ضدهم.

وأضاف الضابط: لابد أن يُلغى كل شئ! فرد عليه ناصر: لن نستطيع ذلك أبداً، إن العجلة قد دارت، ولن يستطيع إنسان أن يوقفها!.
ونحن نستطيع أن نتصرف ونتحرك، وفي آخر لحظة نغير الخطة، وأن الأمر الذي أصدره قائد الجيش بجمع كبار القادة في مبنى قيادة الجيش؛ يعطينا فرصة ذهبية لاعتقالهم كلهم بعملية واحدة.

يقول ناصر: “كان لابد من اتخاذ قرار فوري، فلو تركنا كل شئ ليتم في ساعة الصفر المتفق عليها – الواحدة صباح 23 يوليو – فقد يدركوننا قبل أن ندركهم. ومن ناحية أخرى كانت الأوامر قد وزعت، وكان من أصعب الأمور الاتصال بل من له صلة بالموضوع”.

واستطرد ناصر قائلاً: “انضم إليّ ضابط المخابرات، وخرجت مع عبدالحكيم عامر لنجمع بعض القوات من ثكنات العباسية. وصلنا متأخرين، فقد وجدنا أن البوليس الحربي قد أغلق الثكنات، فمضينا إلى ثكنات سلاح الفرسان والمصفحات، فوجدنا أيضاً أنهم قد سبقونا، وكان البوليس الحربي يحرس كل المداخل، وبدا للحظات أن خطتنا كلها في خطر، ولم يبق على ساعة الصفر إلا 90 دقيقة!.

لقد انطلقنا لنتوجه إلى ثكنات ألماظة كحل أخير، وفي طريقنا التقينا بطابور من الجنود قادمين من نفس الطريق تحت الظلام، وقام الجنود بإجراجنا من السيارة وألقوا القبض علينا! لكن هؤلاء الجنود كانوا من قوات الثورة، وكانوا ينفذون أوامري بإلقاء القبض على كل الضباط فوق رتبة القائمقام دون منافشة، وقد تجاهل الجنود كل كلامنا مدة 20 دقيقة تقريباً، ولم تصدر الأوامر بإطلاق سراحنا إلا حين تقدم البكباشي يوسف صديق – قائد المجموعة وأحد زملائي – ليستطلع سر الضجة، فقد تحرك في الوقت المحدد له، وكان ينتظر حتى تحل ساعة الصفر المعنية ليبدأ الهجوم. وانضممنا إلى الطابور واتجهنا فوراً إلى القيادة، وكانت قواتنا لا تزيد عن قوة سرية، لكن عنصر المفاجأة كان في جانبنا.

لقد اعتقلنا في الطريق عدداً من قادة الجيش الذين كانوا يحضرون الاجتماع في القيادة لتوجيه الضربة ضدنا، واقتحمنا مبنى قيادة الجيش، فوجدنا رئيس هيئة أركان حرب، وكان على رأس المائدة يضع خطة الإجراءات التي ستتخذ ضد الضباط الأحرار، وقبضنا عليهم جميعاً.

كان نجاحنا تاماً في الخطوات الأولى، وفي الساعة السابعة صباحاً تم إعلام الشعب المصري من محطة الإذاعة نبأ عزل الوزارة المصرية برئاسة نجيب الهلالي، وأن البلاد أصبحت أمانة في يد الجيش، الذي أصبح تحت إشراف رجال يستطيع الشعب أن يثق في كفاءتهم ونزاهتهم ووطنيتهم.

كيف تجاوب البريطانيون مع الثورة؟

يوضح الكتاب، أن ضباط الثورة في صباح 23 يوليو بادروا بالاتصال بالسفارة الأمريكية أولاً، ثم السفارة البريطانية لإبلاغهما أن “الضباط الأحرار” استولوا على السلطة، وأن كل شئ يجري في نظام تام، وأن حياة الأجانب وممتلكاتهم ستؤمن ما لم يحدث تدخل خارجي، وأن تلك الحركة مسألة داخلية تماماً، هدفها الأساسي هو وضع حد للفاسد في البلد.

وفي نفس الوقت سارع كبار رجال النظام السابق بالاتصال بالسفارة البريطانية، لطلب التدخل العسكري البريطاني وقمع الحركة، وقد أبلغ السفير الأمريكي في القاهرة جيفرسون كافري، القائم بأعمال السفارة البريطانية سير مايكل كريسويل أن الملك اتصل به عدة مرات منذ الساعة الثانية من صباح 23 يوليو، مرددا أن التدخل الأجنبي هو وحده الذي يمكن أن ينقذه وينقذ أسرته! وعلق السفير الأمريكي قائلاً أن الملك وإن لم يطلب صراحة لتدخل العسكري البريطاني إلا أن ذلك كان متضمناً في كلامه.

ومن ناحيتها، تم رفع استعداد القوات البريطانية في منطقة القناة بهدوء، ومنعت الطائرات البريطانية من الطيران فوق الدلتا؛ لعدم إثارة الشعور المعادي لبريطانيا.

الثورة والملك

جرى تساؤل هام صباح قيام الثورة..كيف يتصرف الملك؟ وما الذي أعده رجال الثورة له؟
لقد قابل الملك السفير الأمريكي، بعد ظهر يوم 23 يوليو، وكان يشعر بمرارة ضد بريطانيا لأنها لم تتدخل عسكرياً، وأنه لم يكن لديه أي بديل إلا أن يقبل طلبات قادة حركة الجيش؛ بما فيها طرد نجيب الهلالي وتعيين علي ماهر رئيساً للوزراء.

واجتمع مجلس قيادة الثورة لبحث مصير الملك، وكان من رأي البعض محاكمته وإعدامه، إلا أن ناصر كان لا يزال على تصميمه أن تكون الثورة بيضاء ما أمكن ذلك، وكان يرى ضرورة إخراج الملك من البلاد على وجه السرعة.

وفي هذه الأثناء كان الملك يحاول الهرب، واتصل بالسفير الأمريكي والسفارة البريطانية، إلا أن بريطانيا أبلغته أنه لا يمكنه الهرب على متن سفينة بريطانية إلا بعد استشارة تشرشل شخصياً، وتوالت بعد ذلك الرسائل من الملك إلى السفير الأمريكي، الذي كان يقوم بنقلها إلى السفارة البريطانية.

ووجه ضباط الجيش إنذاراً إلى الملك فاروق بقصر رأس التين بالإسكندرية؛ بالتنازل عن العرش لولي العهد أحمد فؤاد، ومغادرة البلاد قبل الساعة السادسة مساء. وبعدها وقع الملك وثيقة تنازله عن العرش.

وقد أُعلن نبأ تنازل الملك عن العرش على الشعب في السادسة مساء من محطة الإذاعة المصرية، في نفس الوقت الذي أبحر فيه فاروق على ظهر اليخت الملكي “المحروسة” من ميناء الإسكندرية، وهو يلبس الزي الرسمي الأبيض – زي القائد الأعلى للبحرية – وكان في وداعه محمد نجيب والسفير الأمريكي وأطلقت المدفعية 21 طلقة!.

الضباط الأحرار يتولون السلطة رسمياَ


بعد ثلاثة أيام من الثورة، تنازل الملك عن الحكم وخرج من البلاد، وكانت قد بدأت على الفوز عملية التغيير. ففي اليوم الثاني للثورة بعد إقالة وزارة نجيب الهلالي وتكليف علي ماهر بتشكيل الوزارة الجديدة، أصبح أيضاً حاكماً عسكرياً عاماً. كذلك تم اعتقال اللواء حسين سري عامر – مدير سلاح الحدود الملكي – وآخرين، وأصبح اللواء محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة، بعد توقيع الملك فاروق أمراً بذلك.

وقد توالى التأييد لحركة الجيش من الأقسام المختلفة به، كما أيد الإخوان المسلمون بقيادة حسن الهضيبي الثورة في أسبوعها الأول. ورحب السودانيون بحركة الجيش، وعلى رأسهم إسماعيل الأزهري، وجرت سريعاً حركة للتطهير في الجيش وفي الحكومة؛ من أجل القضاء على الفساد والمحسوبية.

ويؤكد الكتاب، أن “الضباط الأحرار” لم يكونوا راغبين في الحكم على الإطلاق، ولكنهم كانوا مصممين على محو كل أثر للسيطرة الأجنبية، وعلى إجراء إصلاح زراعي حاسم لإنهاء النظام الإقطاعي، الذي اختفى من أوروبا من قبل 300 عاماً! لقد كانوا يريدون أن يضطلع بالمسئولية حزب يمكن أن يؤتمن زعماؤه على العمل في الحدود التي تلهمها روح الثورة.
وقال ناصر: “لقد تحدثت مع زعماء كل الأحزاب، لكني لم أجد بينهم من كان على استعداد لتقديم صالح الشعب على صالح حزبه. وقد عرضت على حزب الوفد أن تنقل إليه السلطة بشرط أن يضمن جلاء البريطانيين عن منطقة القناة، وأن يطبق الإصلاح الزراعي الذي يحدد حيازة الملكية الزراعية بمائتي فدان للشخص الواحد، ولكنهم رفضوا”.

ويستطرد ناصر: “وهكذا حملنا المسئولية على عاقتنا، والأسف يملأ قلوبنا”.

صراع القوة (أزمة 1954)

بدأت تظهر انقسامات وصراع سلطة، وبلغ الموقف أزمته في 23 فبراير 1954 عندما قدم محمد نجيب استقالته، التي كان محورها الأساسي الانسحاب والعودة إلى صفوف الجيش، وإعادة الحياة النيابية كما كانت قبل الثورة، أو ترك المسئولية كاملة له.

وفي اليوم التالي قبل مجلس قيادة الثورة استقالة نجيب من جميع مناصبه، وعين ناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة وصدر مرسوماً جمهورياً بتعيينه حاكماً عسكرياً وفي نفس الوقت اعتصم ضباط سلاح الفرسان داخل ثكناتهم مقدمين مطالب حل مجلس قيادة الثورة، وعودة أعضائه إلى وحداتهم العسكرية، وعودة الحياة النيابية، وانتشرت الأخبار بين الضباط في مختلف أسلحة الجيش، فتجمع عدد كبير منهم داخل مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة وخارجه، مطالبين ببقاء مجلس قيادة الاثورة وإلا انتهت الثورة.

ظل المجلس في مداولات، واتفق  الجميع على العودة إلى الثكنات والاحتفاظ بنجيب رئيساً للجمهورية، واختيار خالد محيي الدين رئيساً للوزراء، وكان من سلاح الفرسان وضالع معهم. وافق نجيب على هذه القرارات، لكن الضبياط المتواجدين داخل القيادة العامة للجيش وحولها، ثاروا ضدها.

استمر الموقف المتوتر بين وحدات الجيش، فحاصر ضباط سلاح المدفعية سلاح الفرسان بالمدافع، وقام سلاح الطيران بطلعات جوية تأييداً لمجلس قيادة الثورة.

وبدأت الأخبار تتسرب للشعب الذي قام بمظاهؤراتر في بعض شوارع القاهرة وكذلك في السودان تأيداً لمحمد نجيب، واستفسر تشرشل عن أحوال الخطة “روديو” للتدخل العسكري البريطاني في لقاهرة والدلتا، وطلب تجهيزها استعداداً ببتنفيذ، وأن تقيم بريطانيا حكومة موالية لها في مصر، وتخرج العسكرين مثيري القلاقل إلى قبرص!.

وفي 27 فبراير 1954 صدر بيان من مجلس قيادة الثورة يقر بعودة نجيب إلى رئاسة الجمهورية حفاظاً على وحدة الأمة، كما صدر مرسوم بإعادته حاكماً عسكرياً
اجتمع مجلس قيادة الثورة في 21 مارس حيث تم بحث عودة الحياة النيابية، وبعدها أعلن نجيب عودة الحياة الدستورية بعد أربعة أشهر، ثم صدرت من المجلس عدة قرارات في 25 مارس، بتشكيل جمعية تأسيسية منتخبة تجتمع في شهر يوليو، لمناقشة الدستور وإٌقراره، والقيام بواجبات السلطة التشريعية إلى حين نعقاد مجلس نيابي جديد، وإلغاء الرقابة على الصحف، وإلغاء الأحكام العرفية، والسماح بقيام الأحزاب ، ويكون لمجلس قيادة الثورة سلطة السيادة لحين تجتماع الجمعية التأسيسية، وبعبارة أخرى اتخذ المجلس قراراً بحل نفسه وإنهاء مهمته في 23 يوليو 1954.

وبعد صدور هذه القرارات كثف محمد نجيب اتصالاته بقيادات الإخوان المسلمين والحزب الاشتراكي وحزب الوفد. وفي 28 مارس أعلن المؤتمر العام لنقابات عمال مصر الإضراب العام حتى يعدل مجلس قيادة الثورة عن قراراته، وزار عبد الناصر مقر عمال النقل وطلب منهم إلغاء الإضراب فقبلوا.

اجتمع ناصر في نفس الوقت بعدد من الوزراء المدنيين الذين أبلغوه رفضهم لقرارات المجلس الخاصة بحله، كما واجه أيضاً اعتصام ضباط الجيش من كل الأسلحة بوحداتهم، مطالبين بإلغاء القرارات، وعمت مظاهرات وإضرابات في القاهرة والقاليم، حتى أن الملك سعود حاول التوسط بين ناصر ونجيب لحل الخلافات بينهما.

وانتهى الأمر بقرار من مجلس قيادة الثورة بإرجاء تنفيذ قرارات حل المجلس وعودة الأحزاب حتى نهاية فترة الانتقال، وأصدر المجلس في 17 إبريل 1954 قراراً بتشكيل وزارة جديدة برئاسة جمال عبدالناصر، مع احتفاظ نجيب برئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس، ثم تم تولي ناصر رئاسة الجمهورية.

إغلاق
إغلاق