وأنا في اجازتي الخاصة، لم أرغب في الانشغال بغير المتعة والسفر والراحة، إلى أن استفزني ما يحدث من نحيب متكرر سنوياً، بسبب أزمة جامعية مصطنعة «أزمة القبول»، ومحاولة تحميل أبنائنا الطلبة، الذين حصلوا على معدلات تسمح لهم بالالتحاق بالجامعة، مسؤولية فشل الإدارات الجامعية المتعاقبة، بمعالجة هذه الأزمة المصطنعة، كذلك محاولة البعض تحميل المشكلة كاملة للدولة. فهذا الكلام غير صحيح، ويجافي الحقيقة، ويناقض الواقع الذي مرّت به هذه الأزمة المفتعلة.
كيف ومتى بدأت أزمة القبول؟
بدأت أزمة القبول تتشكّل، عندما اتخذت إدارة الجامعة قراراً بإيقاف إنشاء وتطوير المباني الجامعية، بعد إقرار قانون بناء مدينة صباح السالم الجامعية في الشدادية، وهو قرار يفتقد الى الرؤية الواضحة للواقع، فمجرد صدور القانون لا يعني إنشاء الجامعة، من دون تأخير، كما يجري في أعمال المقاولات الكبيرة، وما زاد الطين بلة، هو إسناد إنشاء الجامعة الجديدة الى جامعة الكويت، حيث يفتقر أعضاء هيئة التدريس الأكاديميين الى الخبرة العملية، في التعامل مع هذه المشاريع، مما ضاعف المشكلة وزاد التكاليف.
إضافة إلى ذلك، فإن الجامعة وخاصة الأقسام العلمية، قصّرت كثيراً في سد حاجة الجامعة من أعضاء هيئة التدريس، سواء من خلال فتح باب البعثات أو التعيين، لأسباب عدة، مصلحية وشخصية وحزبية وطائفية وقبلية، تغلف جميعها تحت أسباب أكاديمية.
وفي عام 2010، ظهرت بوادر أزمة القبول على شكل أرقام، نعم كانت قليلة، ولكنها كانت إنذاراً على وجود أزمة طاقة استيعابية، يجب أن تُعالج من حيث المكان وعدد أعضاء هيئة التدريس، إلّا أن ذلك لم يحدث، وأُهمل الوضع ولم يتم توقع مخاطر الحالة التي تمر بها الجامعة، وفيها مَنْ يُدرّس علم إدارة المخاطر.
في عام 2011، كنت وزيراً للتربية والتعليم العالي، ظهرت الأزمة بصورة أكبر وأوضح، كان هناك فريق يرفض تحمل المسؤولية، ويريد تحميلها لأبنائنا الطلبة، بعدم قبولهم، رغم حصولهم على النسب المطلوبة للدخول إلى الجامعة.
نظرتُ للمشكلة من عدة جوانب، كولي أمر لكل هؤلاء الطلبة، الذين استحقوا الالتحاق في الجامعة، ولا بُد من تحقيق رغبتهم في الدخول الى الجامعة، وعدم استبعادهم، لسبب لا يد لهم فيه.
كمسؤول، أمامي مشكلة متراكمة، يجب التصدي لها، ووضع الحلول السريعة والطويلة لمعالجتها، وضمان عدم تكرارها.
لذلك، وبعد نقاشات طويلة، بعضها رسمي داخل مجلس الجامعة، وبعضها خارج مجلس الجامعة، وبشكل غير رسمي، وبناء على طلب بعض أعضاء مجلس الجامعة، أو غيرهم لعدم رغبتهم بالحديث الصريح أمام زملائهم، لأنهم يخشون بأن تشن عليهم الحرب، ويتم تجميدهم، إذا كشفوا بعض الخفايا التي يعرفونها، وصلنا لحلول سريعة وحلول طويلة الأمد، لقبول جميع الطلبة ممَنْ تنطبق عليهم شروط الجامعة، وهذه الحلول كالتالي:
– إنشاء الكليات المجتمعية، وحيث إنني كنت وزيراً للتعليم العام فقد قدمت للجامعة بعض المدارس غير المشغولة في محافظة الجهراء والأحمدي وحولّي، لتخفيف الضغط على الجامعة، وتسهيل الأمر على الطلبة ويمكن أن يدرس في هذه الكليات حملة الماجستير.
– كان تقديم طلبات التعيين في الجامعة يفتح خلال فترة معينة، فقررنا أن يكون باب تقديم طلب العمل في الجامعة، كعضو هيئة تدريس مفتوحاً طوال العام.
– أن تكون المحاضرات بصورة فعلية وليست ورقية، من الساعة 8 صباحاً إلى الساعة 8 مساء.
– زيادة عدد البعثات الدراسية.
– تعديل نظام الانتداب، بحيث يكون ثلاث سنوات، وبعدها يتم تثبيت المنتدب كعضو هيئة تدريس، إذا اثبت جدارته أو ينهى انتدابه.
– بعض الأقسام العلمية كان يرفض فتح باب التعيين، ويرفض البعثات لأسباب عدة، لا أريد أن أدخل بها الآن، وهي بلا شك ليست أكاديمية، رغم حاجة القسم لأعضاء هيئة التدريس.
كان مدير الجامعة يشتكي من ذلك، ومن عدم قدرته على إلزام الأقسام العلمية فيده كانت مغلولة، فعدلنا اللائحة بأحقية الجامعة بالإعلان عن الحاجة مع حق القسم بإبداء الرأي فيمَنْ يراد تعيينه.
– ألغينا كل قرارات الانتداب الكلي الخارجي لأعضاء هيئة التدريس.
– أوقفنا قرار مكافآت التفرّغ العلمي، لمَنْ يتولى منصباً إدارياً من أعضاء هيئة التدريس واستبدلناه ببدل نقدي.
– كحل موقت، تم وضع برنامج الساعات الإضافية، على أن تكون لمدة ثلاث سنوات فقط، تستكمل فيها كل الحلول المطروحة، ويتم إيقاف برنامج الساعات الإضافية بعدها.
– أصدرت قراراً بتشكيل مكتب تنفيذي يشرف على إنشاء جامعة حكومية جديدة، يتكوّن من نخبة من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، يترأسهم الدكتور فاضل المسلم رحمه الله، وبعضوية الدكتور محمد هادي، الدكتور بدر البديوي، الدكتور أنور الفزيع، الدكتور عباس الشمري، الدكتور عصام الربيعان، الدكتورة فهيمة العوضي، الدكتورة زهرة علي، الدكتور ميثم صفر، الدكتور محمد العظمة، الدكتور عادل أحمد علي، الدكتور محمد أحمد، الدكتور محسن المعلم.
ولأهمية إنشاء هذه الجامعة، فقد كنت أحضر شخصياً جميع اجتماعات المكتب، للمشاركة في النقاش، وتشجيع الفريق، وحثه على العمل.
وفعلاً تم تحقيق الهدف في وضع الرؤية والرسالة والأهداف الخاصة بمشروع إنشاء الجامعة، وهو مشروع جاهز لانطلاق جامعة عبدالله السالم، وأتمنى أن يتم اختيار نفس الفريق لتكملة المشوار.
ونتيجة لخروجي من الوزارة، ورغم أنني بلّغت مَنْ جاء من بعدي من الوزراء بكل هذه الإجراءات، إلّا أنه للأسف لم يتم الالتزام بالخطة وخطواتها.
مَنْ يتحمل المسؤولية؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، نسأل إدارة الجامعة والأقسام العلمية وجميع أعضاء هيئة التدريس في الجامعة: ألم يكن معلوماً لديكم، منذ عام 2014 بأنه سيتم افتتاح جامعة الشدادية على مراحل خلال خمس سنوات، وأن الجامعة ستعالج الطاقة الاستيعابية المكانية لاستيعابها 45 ألف طالب، وأن الجزء الآخر من المشكلة، يتمثل في زيادة عدد أعضاء هيئة التدريس بالتعيين وبالبعثات؟ ماذا فعلتم خلال هذه الفترة؟ وما الخطط التي وضعتموها لمواجهة ذلك؟
الإجابة عن السؤال أعلاه، تبيّن مَنْ المسؤول عن وضع الجامعة اليوم. أما مَنْ يقول بأن حل مشكلة القبول، يكون بالإسراع في إنشاء جامعة جديدة فحاله كحال مَنْ يقول «عطونا المدينة الجامعية (الشدادية) التي تستوعب 45 ألف طالب، وسنقوم بتشغيلها بنصف طاقتها الاستيعابية، لأننا لن نعين أعضاء هيئة تدريس جدداً، ولن نرسل بعثات إلّا بالقدر الذي نريد ولمَنْ نريد».
فهل يجوز هذا الكلام؟ لذلك، هذا النحيب والخوف المزعوم على مستوى الجامعة، الذي يظهر في فترة القبول، غير مقبول، وعلى مجلس الجامعات الحكومية أن يمارس دوره، بإلزام جامعة الكويت بوضع خطة واضحة، تعالج تدني التصنيف الأكاديمي للجامعة، كما تعالج بالأرقام كيفية تجاوز أزمة القبول، وضمان عدم تكرارها بإجراءات ومواعيد واضحة، وبالأرقام عن عدد البعثات والتعيينات، يلتزم بها سنوياً كل قسم وكل كلية، وفي حالة الفشل في تحقيق ذلك، تتم محاسبة المتسبّب في ذلك.
طبعاً، كلامنا هذا لا يمس الكثير من أعضاء هيئة التدريس، الذين لم يأخذوا حقهم في الإدارة أو الاستشارة، فالجامعة تزخر بالكفاءات الوطنية، التي تستحق منحها الفرصة بعدم احتكار المناصب القيادية، وأهمية تداولها للتجديد والإبداع.
المصدر: الراي