مقالات وكتاب

السلطة والمال… معارك وهمية

بقلم: علي باجي الدهمشي العنزي

غير متفائل بعصر الانفتاح والتنوير، وهو حلم غير وردي، وهلاميات غير ملموسة، وسيضيق الأفق بمن بشر به، والأسئلة المستحقة هي: عندما تندلع شرارة الحرب بين المال والسلطة لمن ستكون الغلبة؟ ومن هو صاحب النفس الطويل عندما يتصاعد سحاب دخان بنادق المعركة؟ وهل سيتنادى الفريق التجاري للتآزر والتكاتف والاتحاد لفرملة االسلطة، أم العكس،سيضبضب الفريق الآخر عظامه ويوحد صفوفه ويكسر رقبة رأس المال؟ أم أن معارك من هذا النوع لن تحدث لأن التاريخ لم يحفل بشواهد كثيرة تصادم فيها المال والقرار؟ وهل يحق للعاقل الموضوعي أن يقول أن هذه المعارك تدور رحاها فقط في أذهان البسطاء والسذج؟
نعم حقيقة لم يشهد المسرح السياسي التاريخي الكثير من هذه المعارك لأن العلاقة بين الطرفين غالباً ما تكون منسجمة ومتناغمة،خصوصا إن لم يستشعر صاحب القرار بأن رأس المال لايستهدف سلطاته، ومن له صلاحيات موسعة قد تؤثر وتحد من نفوذ الطبقة التجارية. ولاشك أن هناك ملابسات كثيرة تحيط بقضايا الصراع بين التجار النافذين ورجال المال والأعمال، ومن يملكون القرار السياسي والسيادي، وتؤكد حركة التاريخ أن الغلبة في مثل هذه القضايا المصيرية تحسم في كثير من الأحيان لمن يملك سطوة المال والنفوذ وأسباب القوة وأدواتها كالإعلام والقوى المدنية، وبعض قادة الرأي، وجماعات الضغط، ومؤسسات المجتمع المدني، وتحسم المعركة لصالح الطبقة التجارية إذا كان هناك انقسام بأجنحة السلطة، بسبب الطموحات والمشاريع السياسية، إذ تحدث على أثره استقطابات، ومن هذا يبدأ فتح الثغرات ويميل ميزان القوى وترجح الكفة باتجاه رأس المال، وسيسقط السياسي من أول جولة في مسرح الصراع، وسيستلم لكن بأنفة المنتصر، لكن هذا المشهد من المستحيل أن يحدث لأن الوضع أعقد بكثير مما يتصوره البعض، فهناك علاقات تاريخية، ضاربة في عمق وجذور التاريخ، وعلاقات اجتماعية متداخلة ومتشابكة يصعب معها التصعيد الذي يتوقعه البعض، والأهم من ذلك هناك بعض الشراكات الاقتصادية والمالية، وهي من أوثق الصلات والعلاقات في عصر مابعد الثورة الاتصالية.
وقد شبه بعض الباحثين في الجانبين الاجتماعي والاقتصادي العلاقة بين السلطة والمال كالزواج المصلحي، والعصمة تكون بيد الطبقة التجارية، إذ من أحد شروط هذا الزواج الشاذ أن تتنازل الدولة عن دورها القانوني في آلية تنظيم الاقتصاد، ومراقبة السياسات الاقتصادية تكون مهام رأس المال، وليس الجهاز التنفيذي، فهم “القطاع الخاص” من يحدد ستراتيجية وآلية مواجهة الآثار السياسية والاجتماعية المتوقعة لممارساتهم الاقتصادية، وبما أنهم الجهة التي تحدد الاثر الاقتصادي فبطبيعة الحال لن تترك أثراً يدينها،وستزيف واقع الآثار بشكل يخدم مصالحها وتنمية ثرواتها. وخلال السياق التاريخي للأمم يلاحظ أن هذا الأمر هو واقع معظم الكيانات السياسية، منذ انبلاج العصر البليستوسيني وحتى كتابة هذه السطور. وكي لاتعمم الصورة وتصبح محبطة وشديدة السواد نود الإشارة هنا إلى حقيقة مفادها أن ليس كل الطبقات المتنفذة لديها انحراف، وليس كل مافي السلطة يغريه بريق المال وسطوة المنصب، والنفوذ بلا حدود.

إغلاق
إغلاق