مقالات وكتاب
الحرب الاقتصادية القادمة .. ماهي؟!
بقلم: أ. عبدالله خالد العبدالمنعم
نحتاج إلى قليل من التأمل فيما يحدث حولنا على الصعيد الإقليمي أو العالمي من تطورات اقتصادية خطيرة، ليس على مستوى النظام النقدي العالمي تحديدا، بل على مستوى نظام التجارة الدولية، والذي لا يقل خطورة عن النظام النقدي أو المالي. بدأ ذلك حين أمر الرئيس الأمريكي ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار أمريكي غير التي تم فرضها سابقا، ردت الصين على هذا القرار بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 5% و10% على مجموعة من السلع التي تستوردها من الولايات المتحدة والتي تقدر قيمتها 60 مليار دولار، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث هددت الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية من جديد تصل إلى 25% على واردات صينية تقدر بـ 267 مليار دولار.
هذا الصراع الأمريكي-الصيني على التجارة العالمية يمكن القول أنه بدأ مبكرا حتى قبل انتخاب الرئيس ترامب، فما يمكن أن تشاهده وتلمسه في السنوات الأخيرة من نمو للموانئ الضخمة في المنطقة، واستقطابها للبضائع الصينية والأميركية، بل وتواجد كبرى شركات البلدين في تلك الموانئ، في خطوة للتحكم بمسار التجارة الدولية وتعزيز اقتصاد الخدمات. فبعد قيام ميناء جبل علي – أكبر موانئ دبي – في أواخر سبعينيات القرن الماضي، والذي أضحى الآن ضمن أضخم الموانئ العالمية بعد موانئ الصين وسنغافورة. بدأت دول أخرى تدخل على خط المنافسة منها باكستان، والتي تطل على مساحة مائية شاسعة من المحيط الهندي وبحر العرب، وتحديدا في عام 2015 أعلنت الصين استئجار ميناء “جوادر” الباكستاني والذي يقع على المحيط الهندي لمدة 40 عاما، ضمن مشروع “الحزام والطريق” الصيني، وربطه بسكك حديدية إلى داخل العمق الصيني، وعن عزمها لاستثمار 4.5 مليار دولار كبنية تحتية للميناء، حيث سيتمكن هذا الميناء من بسط نفوذ الصين الاقتصادي على التجارة إلى الخليج والشرق الأوسط وإغراق المنطقة بالبضاعة الصينية، الأمر الذي يشكل منافسة قوية إن لم تكن شرسة لموانئ دبي وبالأخص ميناء جبل علي.
ولقد شكلت الزيارة التاريخية لحضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح – حفظه الله – إلى الصين قبل شهرين تحولا استراتيجيا في السياسة الاقتصادية لدولة الكويت، حيث انشغل الرأي العام ووسائل الإعلام المحلية و الإقليمية في تحليل أبعاد الاتفاقيات الاقتصادية بين دولة الكويت وجمهورية الصين، والتي تسعى لتحقيق رؤية كويت 2035 “كويت جديدة” في التحول نحو مركز مالي وتجاري وربط الكويت مع مشروع طريق الحرير الصيني الجديد “الحزام والطريق”، من خلال استثمار الجزر الكويتية الخمسة ومدينة الحرير ومشروع ميناء مبارك الكبير. ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان، هذا الميناء العالمي الضخم المتوقع تشغيله – حسب ما أُعلِن – في عام 2021 سيغير قواعد لعبة التجارة الدولية في المنطقة، بل وحتى مرور السفن والبواخر الضخمة ورسوها داخل الخليج.
ما يميز ميناء مبارك الكبير ليست المساحة الضخمة فحسب، ولا ملايين الحاويات المناولة، ولا الأرصفة الكثيرة، ولا كونه محطة تجارة ترانزيت لطريق الحرير، حيث إن كل هذه المعطيات ممتازة بل ورائعة، ولكنها متغيرة يمكن أن تخضع للمنافسة، إلا أن العامل الرئيسي الثابت الذي يخدم الكويت جيوسياسيا هو العامل الثابت، ألا وهو موقع الكويت الاستراتيجي الذي يخدمها في زاوية بين العراق من جهة والسعودية ودول الخليج من جهة ثانية وإيران من جهة ثالثة، في ظل عدم قدرة العراق على بناء موانئ عملاقة عالمية كونه يطل على مساحة مائية ضغيرة وضحلة بخلاف الكويت، وهذا يفسر سعي دول أخرى كالمملكة العربية السعودية الشقيقة للتنسيق مع دولة الكويت اقتصاديا نظرا لربط مشروع الحرير الصيني مع الكويت عبر ميناء مبارك الكبير، حيث سيرتبط هذا الميناء مع شبكة من الطرق والسكك الحديدية مع العراق والسعودية، وبالتالي إنعاش المنطقة تجاريا.
ختاما، ما نملك إلا أن نقول أن طبول الحرب الاقتصادية الباردة باتت تقرع، وسلاحها هي حرب الموانئ.