مقالات وكتاب
معاداة السامية في بريطانيا تاريخيا بلا سند
بقلم: د.عصام عبداللطيف الفليج
يبدو أن الكيان الصهيوني ليس عنده قضية يدندن عليها ويبتز الناس بها سوى معاداة السامية، لأن كل قضاياه خاسرة، فهو نظام إجرامي، محتل أرض فلسطين، قاتل الأطفال، معتقل النساء، مدمر البيوت والمستشفيات، مستخدم الأسلحة المجرمة أو المحرمة لا فرق، حاصر الأبرياء في غزة، اعتدى على الأماكن المقدسة وحرق المسجد الأقصى، ضرب المصلين وطردهم، بدأ حفريات تحت وحول المسجد الأقصى سعيا لتدميره، وقد سقطت أولى لبناته الأسبوع الماضي، لم يلتزم في حياته بأي عهد، حتى إدارة الضفة لم يسلمها للسلطة الفلسطينية بالكامل، ولا يوجد في تاريخه أي مشروع إيجابي سوى القتل والتدمير والإجرام.
لذلك هو يستصرخ بين الحين والآخر بأن من يخالفه أو ينتقده هو معادي لليهودية، فيبتعد عن أصل المشكلة التي تم انتقادهم بها، ويحول الناس إلى وهم اصطنعوه اسمه “معاداة السامية”.
وتتوالى مرات اتهام جيريمي كوربين زعيم حزب العمال البريطاني بمعاداة السامية، في حملات منظمة ضده، لا لشيء سوى أنه انتقد التصرفات الصهيونية والإسرائيلية غير الإنسانية وغير الأخلاقية، في المجال السياسي والعسكري والاقتصادي، ونصرته للموقف الفلسطيني، ودعمه لحقوق الفلسطينيين وانتقاد سياسات الاحتلال، مما دفع بقيادات المجتمع اليهودي البريطاني إلى الاحتجاج أمام مقر البرلمان في ويستمنستر، خصوصا بعد معارضته لإزالة لوحة جدارية في شرقي لندن معادية لليهود، تعود للعام 2012م، والتي تعبر عن سيطرة اليهود على رأس المال العالمي، حيث تصور أثرياء يهوداً يلعبون “المونوبولي” على ظهور أشخاص عراة، وذلك من مبدأ الدفاع عن حرية التعبير.
واستثار ذلك جوناثان غولدستين، مدير مجلس القيادة اليهودية البريطاني، بقوله: “أينما ذهبنا يقال لنا أن نتصرف بناء على توجيهات من إسرائيل، أو أن عائلة روتشيلد تحكم العالم، أو أن الصهاينة هم النازيون الجدد”، إنها معاداة السامية!
وهكذا هم اليهود.. طول عمرهم يشتكون “المظلومية”، وهم أظلم الخلق على البشر، ولم يسلم منهم أحد من السياسيين والإعلاميين والكتاب الذين ينتقدون إجرامهم ويتعاطفون مع فلسطين، باتهامهم بمعاداة السامية عبر وسائل الإعلام، ومحاولة الضغط عليهم للتوقف عن الانتقاد، أو إقالتهم من أي عضوية هم فيها.
والإشكالية أن كثيرا من الناس لا يعلمون ماذا يقصدون بالسامية التي يتهمون الناس باستعدائها، ويعتقد البعض أنها قد تكون مصدرا لكلمة سام أو سامي، وهذا أمر سام، أو خلق سام.. الخ، وهذا خلاف المقصد، فالسامية المقصودة هنا هي نسل سام بن نوح عليه السلام، ولكون اليهود من بني إسرائيل، أي بني يعقوب عليه السلام الذي ينتسب إلى سام، فهم يرون أنفسهم (أي اليهود) من نسله، وهم خيرة أهل الأرض، ويتعالون على الناس بهذا الفهم العنصري، ويتهمون كل من يخالفهم بأنه معاد للسامية!
وإسرائيل هو الاسم الآخر ليعقوب عليه السلام، أو لقب له، فقد قال الشوكاني في تفسيره فتح القدير 1/91: اتفق المفسرون على أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ومعناه عبد الله، لأن “إسر” في لغتهم هو العبد، و”إيل” هو الله، قيل: إن له اسمين، وقيل: إسرائيل لقب له.
وبالتالي فإن بني إسرائيل هم كل من ينتسب إليه، سواء من اليهود أو النصارى أو غيرهم.
ولا أعلم لم يخاف الناس من ذلك التلويح والشكوى بمعاداة السامية، بما فيها الكنيسة وعموم الغرب، فلا يعني أن اليهود يظنون أنفسهم أنهم خيرة أهل الأرض أنهم كذلك، فهذا الرأي لا يلزم أحدا.. لا من النصارى ولا من المسلمين ولا غيرهم. وهذه لعمري قمة العنصرية.
الأمر الآخر أنه يتفرع من نسل سام بن نوح عليه السلام أقوام عدة، فلم يخصون أنفسهم بالخيرية دون غيرهم، أليست هي العنصرية بعينها؟!
والأغرب من ذلك أنهم يعرفون أن العرب – كما في كتب الأنساب القديمة – ينتسبون إلى سام بن نوح عليه السلام، فبعد أن استقرت سفينة النبي نوح عليه السلام ولم يبق من الخلق سوى من فيها، فإن جميع الأنساب منحدرة من ذرية نوح عليه السلام هي من أبنائه سام وحام ويافث، وينحدر من سام “قحطان” الذي ينحدر منه عرب قحطان (قحطان بن عابر بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح).
كما ينحدر عرب عدنان من نسل اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام، وهم يلتقون مع بني اسرائيل (أبناء يعقوب عليه السلام) في الجد إبراهيم، الذي ينحدر من نسل سام بن نوح عليه السلام (عدنان من نسل اسماعيل بن ابراهيم بن تارخ بن ناحور بن شاروخ بن أرغو بن فالغ بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح).
وبنو اسرائيل هم أبناء يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم عليه السلام ….. بن سام بن نوح عليه السلام.
أما عيسى ابن مريم عليهما السلام، الذي يتبعه النصارى في كل العالم، فيرجع نسب والدته مريم بنت عمران إلى سيدنا سليمان بن داوود، الذي يرجع نسبه إلى يهوذا بن اسحق بن ابراهيم عليه السلام ….. بن سام بن نوح عليه السلام.
ويقول الطاهر بن عاشور: “كان عمران بن ماتان من أحبار اليهود وصالحيهم، وأصله بالعبرانية “عمرام” بميم في آخره، فهو أبو مريم. وفي كتب النصارى اسمه “يوهاقيم”، فلعله كان له اسمان، ومثله كثير.
وعن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش”. (قال أبو عيسى هذا حديث حسن، ويقال يافث ويافت ويفت).
وحكى ابن قتيبة: “والأنبياء كلهم.. عربيهم وعجميهم، والعرب كلها.. يمنيها ونزاريها؛ من ولد سام بن نوح”.
وبالتالي.. فإن جميع أصول الأنبياء من ذرية نوح عليه السلام، فلا مفاضلة في النسب، وجميع أصول الأنبياء الثلاثة موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام من نسل سام بن نوح، وكذا جميع العرب، فلم اليهود هو الساميون فقط وغيرهم لا؟! أليست هي العنصرية بعينها؟!!
وحسب بعض المراجع؛ يعود أصل معاداة المسيحية لليهود لاتهامهم بصلب يسوع (ع)، واضطهاد تلاميذه وتعذيبهم، كما تم اتهام اليهود بتسميم آبار المسيحيين، والتضحية بالأطفال كقرابين بشرية، (من عمرهم مجرمين)، وبسبب هذه التهم تم طرد معظم اليهود من دول أوروبا الغربية إلى شرق ووسط أوروبا وبلاد المغرب العربي.
وتم استعمال مصطلح معاداة اليهود (anti semitism) لأول مرة من قبل الباحث الألماني فيلهم مار في وصفه لموجة العداء لليهود في أوروبا الوسطى في أواسط القرن التاسع عشر.
ولمزيد من المعلومات يمكن العودة إلى هذه المراجع: كتاب “قلائد الذهب في جمهرة أنساب العرب” لابن حزم الأندلسي، وكتاب “سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب” لمحمد أمين البغدادي الشهير بالسويدي.
وعليه.. فإن معاداة السامية في بريطانيا تاريخيا بلا سند، وادعاءات اليهود عليهم وعلى غيرهم ما هي إلا استفزازات سياسية “اقتصادية”، فلا يوجد من يعادي السامية سوى اليهود أنفسهم، وينبغي عدم الاستسلام لهم من جميع القوى السياسية، وعدم الرضوخ لابتزازهم، حتى لا يدمروا باقي البلدان، خصوصا بعد افتعالهم للانهيارات الاقتصادية، وإحراجهم لبريطانيا باستفتاء الخروج من الاتحاد الأوربي، والذي لا أشك أبدا أن اليهود وراءه بشكل أو بآخر.
وأسأل الله أن يحفظ الملكة والشعب البريطاني من خبث وعداء اليهود بكافة أشكالهم وعنصريتهم.