مقالات وكتاب
الاختراق السياسي مكرر.. فما الحل؟!
بقلم: د.عصام عبداللطيف الفليج
يبدو أن العديد من التيارات السياسية لم تستوعب تغير الفكر البرلماني لدى المجتمع وتحت قبة البرلمان، وأعني ب “لم تستوعب” بأنها ما زالت على التفكير النمطي التقليدي، وإن أدركت ما يجول حولها، فهي لم تغير كثيرا في أسلوبها رغم إدراكها ذلك التغيير، لذا فهي من تراجع إلى آخر، ولنستذكر معا ما أعني..
الكل يعرف أن من طلبات القوى السياسية في مؤتمر جدة (أكتوبر 1990م) عودة مجلس الأمة، وبالطبع لم يرق ذلك للبعض، فكان لا بد من اللعب السياسي طويل النفس الذي لا يتقنه هواة السياسة، فجاء مجلس 92 الذي سعد به الناس كثيرا، ولأول مرة يتم توزير 6 نواب، أبرزهم د.أحمد الربعي رحمه الله، المعارض السياسي الكبير، جندي ظفار، وعضو تفجيرات الستينات، ثم استجوابه المخترق.
نجحت أولى الخطط باستيعاب رموز المعارضة وتعيينهم في مناصب كبيرة هم وأتباعهم.
ونجحت ثاني الخطط باختراق النواب لإجراء استجواب، ويتم إفشاله بعدة طرق، وفي ذلك تفصيل ونماذج عديدة.
كما تم التوجيه في تعيين الوزراء والوكلاء وعموم القياديين وفق محاصصة معروفة، بعيدا عن الاختصاص والخبرة والدراية.
وما زالت هذه الخطط سارية المفعول وبنجاح كبير.
كانت المعارضة خلال هذه الفترة وما بعدها أغلبية، وذات صوت عال، اضطرت أن تنضوي تحتها عدة تيارات، وصدرت عدة قوانين شعبية (رفع نسبة تعيين الكويتيين في الحكومة والقطاع الخاص، وبدل عمل قطاع خاص، وبدل بطالة.. الخ)، فكان لا بد من الانتقال إلى خطة أخرى تضعف هذا التكتل، وتفرق ولا تجمع، فظهرت إثارة الفتنة النائمة بين التيارات السياسية، بالاتجاه إلى المغالين والموتورين والمرتزقة والمخترقين والعملاء منهم، فتم ضرب الليبراليين بالإسلاميين، والشيعة بالسنة، والتجار بالبدو.. وهكذا، ونجحوا في ذلك إلى حد كبير، وحققوا نتائج مبهرة داخل وخارج البرلمان، وسط استسلام سهل ومحبط من تلك التيارات.
التقى رموز تلك التيارات مرات ومرات لمناقشة ذلك الاختراق وكيفية مواجهته (كما حصل بعد حل مجلس 1985م)، إلا أنهم لم ينجحوا لأسباب عديدة، أبرزها قوة الاختراق، والأنانية لدى البعض بالاستحواذ على النصيب الأكبر من المكاسب.
وحتى رئاسة مجلس الأمة حاولوا الوصول إليها، ولم ولن يفلحوا، والانتخابات الرئاسية الأخيرة خير دليل، لدرجة ابتعاد بعض الطامحين للرئاسة عن البرلمان نهائيا، والاتجاه إلى رئاسات أخرى.
وتطورت عمليات شراء الأصوات خلال ربع قرن بأشكال عديدة؛ نقدا، هدايا، شنط نسائية، توظيف في الحملة الانتخابية، ترميم ديوانية، علاج بالخارج، تعيين الأبناء.. وغير ذلك. ورغم كل الإخباريات لم يتم القبض على أحد، ورغم كل عمليات التشويه الإعلامي والشعبي لأولئك المرشحين، كان النجاح حليفهم.
وبقيت الانتخابات الفرعية على حالها، القبلية والحزبية، بأساليب مختلفة، رغم كل القوانين التي وضعها البرلمان.
فكان نجاح تلو نجاح في مواجهة التيارات السياسية على اختلافها، وأرجو ألا يأخذ السياسيين بخاطرهم، فهذا سرد انتقائي لا أكثر.
واستمرت هذه الأوضاع حتى جاءت حملة الإيداعات المليونية الشهيرة التي استفزت الشعب، وخرج الناس بعشرات الآلاف باعتصامات في ساحة الإرادة وغيرها، وكان لهم ما أرادوه وهو إقالة رئيس الوزراء، لكنهم دفعوا ثمن ذلك غاليا فيما بعد.
أصدر النواب بعدها قوانين عديدة، مثل المرئي والمسموع، ومكافحة الفساد، والبيئة.. وغيرها، والنتيجة أن تلك القوانين رجعت عليهم، فتم اعتقال مئات الشباب لأسباب تويترية وفيسبوكية وواتسابية لمخالفة القانون، وقضى العديد منهم سنوات في السجن عقوبة على ذلك، أما البيئة فقد ابتعدت عن البيئة البحرية والبرية والسمائية، واتجهت إلى المدارس والديوانيات لتحاسبهم على التدخين وطفايات السجائر!
إلى الآن لم يستوعب النواب وقادة الرأي أنهم دخلوا في نفق مظلم، معتقدين أنهم حققوا الانتصار الشعبي، ومع ذلك لم تتوقف الإيداعات ولا الخدمات ولا الانتخابات الفرعية.
وكانت المفاجأة الجديدة على مستوى الجميع “الصوت الواحد” الذي لخبط كيان العمل السياسي برمته، وخرج الناس مرة أخرى بعشرات الآلاف، وانضمت إليهم القبائل بقوة لاستشعارهم بأنهم أول الخاسرين، باستثناء التجار والليبراليين الذين رفضوا الفكرة، ورفضوا أسلوب الخروج والمسيرات، لكنهم شاركوا في ندوات عديدة، أشهرها صرخة “تبون الحكم ولا ما تبونه”؟!
وكان الشيعة الأكثر ذكاء والأسرع استجابة للصوت الواحد، ففازوا لأول مرة في تاريخ العمل البرلماني ب15 عضوا، مما أثار ذلك حفيظة بعض دول الجوار!
وبذكاء حاد، ونفس طويل، ودهاء سياسي؛ تم استيعاب وجهاء القبائل بعدة طرق، فالقبائل هم القاعدة الأكبر في الانتخابات، ثم تم استيعاب التجار بوعود لا تخفى ملامحها عن الأعمى، وبالتأكيد سيكون تحت عباءتهم الليبراليين، وشاركوا جميعا في الانتخابات التالية بعد إقرار المحكمة الدستورية للصوت الواحد، وشارك التيار السلفي وكسبوا، وقاطعت “حدس” فكانت خسائرهم بالجملة، وحرمت قواعدهم من أية وظائف قيادية إلا ما ندر، رغم عدم علاقة قواعدهم بالعمل السياسي، بل ومعارضتهم للمقاطعة.
وكرر النواب أسلوبهم التقليدي رغم كل تلك المتغيرات، فكانت النتيجة دخول بعضهم والعديد من مؤيديهم إلى مكان معروف، والنتيجة معروفة.
وتكررت الخطط سالفة الذكر، من استيعاب رموز المعارضة وتعيينهم في مناصب كبيرة هم وأتباعهم، وبالأخص الليبراليين، وتكرر اختراق النواب لإجراء الاستجوابات، وإدارة إنجاحه أو إفشاله بعدة طرق، وبالتالي أصبح الوضع السياسي مكرر وممل وغير مشجع، أدى لانسحاب العديد من الرموز السياسية من الساحة، والاكتفاء بالجلوس في الديوانية، والدعاء بأن يحفظ الله البلد.
وبقيت بعض الرموز الصامدة في الساحة تناضل بأسلوب مكرر أيضا، ودخلت مجموعة شبابية جديدة تنقصها الخبرة، وتمتلك العزيمة على التغيير والإصلاح لأجل البلد، راهن البعض على اختراقهم لعلاقات سابقة، فمن يا ترى سيكسب الرهان؟!
تقول القاعدة الإدارية: إذا فقدت شيئا، فلا تبحث عنه أكثر من مرة في نفس المكان، لأنك تضيع وقتك وجهدك. ونذكر السياسيين الكرام بأنكم إذا خسرتم مساحة معينة، فلا تكرروا نفس الأسلوب في كل مرة، فقد حفظه الآخرون، وجهزوا لكم الردود والنتائج، فجددوا أسلوبكم لأجل الوطن، واخرجوا من الصندوق وفكروا بأساليب جديدة، واستشيروا أهل الرأي والمعرفة، بالأخص المقربين من منافسيكم، وتنازلوا عن بعض الأمور (وليس عن القيم والمبادئ والدين)، وتعاملوا بنظام تبادل المكاسب، لعل وعسى تنصلح الأمور إلى الأفضل.