مقالات وكتاب

“إعادة إعمار العراق”.. بادرة إنسانية كويتية رغم الجراح

بقلم: د. عصام الفليج

يستحق الشعب العراقي المنكوب كل عون من إخوانه العرب والمسلمين والمسيحيين وغيرهم، لأن قضيتهم إنسانية اختلط فيها الحابل بالنابل، سادت بينهم صراعات طائفية طويلة.

وكالعادة، يصعد الساسة وقادة الأحزاب فوق ركام الجثث والمباني، ليعلنوا حربهم الدائمة على الفساد والإرهاب، وهم جزء من ذلك كله!

ولتأكد الكويت من أن الشعب العراقي ضحية، كما هي حال جميع الشعوب المنكوبة، استضافت مؤتمر “إعادة إعمار العراق”، ثقة منها بأن الشعب العراقي يستحق أن يعيش بكرامة، متجاوزة بذلك الاحتلال العراقي للكويت عام 1990م، والتهديدات المستمرة بالدخول واقتحام الحدود، والشتائم والإشاعات التي يلقيها بعض الساسة والإعلاميون على الكويت.

والكل يعلم بأنه ليست المشكلة في ضعف الموارد الاقتصادية العراقية، التي تتفوق على كل دول الخليج مجتمعة، لكن المشكلة في حجم الفساد المستشري في الحكومات المتهالكة منذ سقوط الملكية، وبالأخص حكومات ما بعد سقوط صدام، التي تنهش ولا تأكل، وتبلع ولا تمضغ، حتى وصفهم الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، بأن المسؤولين العراقيين “أبرع مجموعة لصوص”، وذلك حسب ما نقل مسؤول كبير في البيت الأبيض لمجلة “نيوزويك” الأمريكية، وقال: إن “العراق مثل الجحيم، فهو يلتهم المال الأمريكي”، فقد بددوا نحو 1.7 مليار دولار أمريكي، منحتها واشنطن للحكومة العراقية بعد عام 2014م، كمساعدات إنسانية لبغداد، وبهدف إعادة إعمار البنية التحتية التي دمرتها الحرب.

أما هيئة النزاهة العراقية، فإن عدداً من الوزراء السابقين مطلوبون للقضاء بتهم الفساد، لكنهم فروا خارج البلد الذي يصنف من بين أكثر دول العالم فساداً، بموجب مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية.

إننا بحاجة لإعادة بناء “الإنسان العراقي” فكراً وثقافة بعد سنوات من الذل والهوان، وتغيير ثقافة الكراهية للآخر، وأشياء أخرى الكل يعرفها عن الفرد العراقي.

وبما أننا أمام بلد مريض، فلا بد من وضع اشتراطات مسبقة لأي مبالغ تقدم لهم، كما هي الحال مع البنك الدولي الذي يشترط تنفيذ أمور معينة لأي دولة يقرضها (وليس يمنحها)، كما يشترط التزامات مالية وتنفيذية لكي يعترف بصحة أداء أي دولة التعليمي أو الصحي أو غير ذلك.

والأفضل أن يكون التعامل في مشاريع إعادة الإعمار بنظام القرض وليس المنح، فكما قلت: إن العراق بلد غني، ويستطيع تسديد فواتيره عبر فترة وإن طالت، فمن غير المعقول أن يسرق المتنفذون العراقيون أموال البلد ويصدروها للخارج، وتتكفل دول أخرى بالإصلاح وإعادة الإعمار!

وسبق أن ذكرت أمثلة لهذه الاشتراطات في مقال “وقفات مع مؤتمر إعادة إعمار العراق” الموجود على هذا الرابط https://goo.gl/6ay8G8، ولعلي أضيف هنا بعض الاستحقاقات والاشتراطات الأخرى حفاظاً على حقوق الشعب العراقي المكلوم، وتنقسم إلى قسمين:

أولاً: الشق السياسي:

– إيقاف كل المليشيات التابعة للأحزاب السياسية (فيلق بدر، حشد، الصدر، الحكيم، السيستاني.. وغيرها)، ونزع السلاح منها.

– تفعيل دور هيئة النزاهة العراقية على أرض الواقع في مشاريع الإعمار.

– ضبط الأمن، فمن غير المعقول أن يتم إعادة إعمار وسط عصابات مسلحة.

– منع الأحزاب السياسية من العمل في إعادة الإعمار.

– فتح مجال العمل للسُّنة والشيعة على حد سواء، سواء الشركات، أو العمالة.

– البدء بالمدن السُّنية الأكثر تضرراً، التي قصفتها قوى التحالف، وانسحب منها الجيش العراقي بشكل مفبرك.

– إبعاد السلطة الإيرانية عن إدارة إعادة الإعمار، ولا مانع من مشاركتها وفق حصتها التي ستساهم بها، وفي منطقة الجنوب فقط.

ثانياً: الشق الميداني:

– أن يكون للكويت الحصة الأكبر في مشاريع الإعمار، كونها الدولة المستضيفة للمؤتمر.

– أن تأخذ كل دولة مساهمة حصتها من مشاريع الإعمار وفق نسبة المساهمة، فمن غير المعقول –على سبيل المثال- أن تساهم دولة بمائة مليون دولار، ويكون حصتها من المشاريع عشرة ملايين دولار، ويكون حصة دولة أخرى ساهمت بعشرين مليوناً بمشاريع بقيمة مائة مليون!

– أن يكون تنفيذ المشاريع تحت إشراف هيئة النزاهة العراقية، وهيئتا مكافحة الفساد الكويتية والسعودية.

– تحديد الأولويات في المشاريع التي تخص الشعب، لا التي تخص الحكومة.

أما مساهمات الجمعيات الخيرية، فلها اشتراطات أيضاً، منها:

1- عدم تدخل الحكومة العراقية فيها.

2- هي تختار أي جمعية خيرية عراقية تتعامل معها.

3- هي من تباشر العمل، دون أي تدخل خارجي.

4- هي تختار المشاريع الإنسانية التي ترغب بها (مدارس، مساجد، مراكز صحية، إغاثة.. وغير ذلك)، وتنفذها بنفسها.

ونؤكد أن الشعب الكويتي لن يسمع للأصوات العراقية النشاز، من برلمانيين وإعلاميين، ممن أساؤوا وما زالوا يسيؤون للكويت، سواء في مشروع إعادة الإعمار أو غيره، لأن التعامل الإنساني هو الأصل بين الشعوب، أما السياسيون ضيقو الأفق والإعلاميون المرتزقة فلن نلتفت لهم، فما يهمنا هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة كريمة للشعب العراقي، أبى كل الحكام منذ سقوط الملكية إلى الآن من تحقيقه!

ومرة أخرى.. كل الشكر لقائد الإنسانية سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح على رعايته واستضافته لهذا المؤتمر، فهو يؤكد مدى سماحته، وحنكته وخبرته السياسية الطويلة.

ونسأل الله أن يفرج عن الشعب العراقي مأساته.. بل مآسيه العديدة، وأن يعم العراق الأمن والأمان والخير الوفير.

إغلاق
إغلاق