مقالات وكتاب

شذوذ اقتصادي «٢»

بقلم: أ. عبدالله خالد العبدالمنعم

لم أكن أتوقع هذا الانتشار لمقالي السابق «شذوذ اقتصادي»، والذي تطرقت فيه إلى الفرق الفلسفي والجوهري العميق بين التمويل الإسلامي والتمويل الربوي من جهة وظيفة النقود، حيث كان هذا المعيار هو العامل الأبرز للفرق بين النظاميين الماليين، لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد وكفى، حيث نلحظ فرقا فلسفيا آخر ألا وهو «قيمة الزمن». فالزمن معتبر في الاقتصادين الإسلامي والوضعي على حد سواء بيد أن الفرق في كونه أصلا أو تابعا، في الاقتصاد الوضعي التقليدي الزمن هو قيمة الكلفة التمويلية، وهذا يتجلى في نسبة الفوائد على القروض من خلال التناسب الطردي بين أجل سداد الدين و نسبة الفائدة، فالقروض طويلة الأجل (Long-term Debt) أعلى من حيث نسبة الفائدة من القروض قصيرة الأجل (Short-term Debt)، بالإضافة إلى عوامل مساندة أخرى تحدد وتحكم سعر الفائدة.

أما في الاقتصاد الإسلامي فالزمن تابع لا متبوع، أي اعتبار الزمن ابتداء في قيمة الدين دون اعتبار ارتباط نمو قيمة الدين بتناسب طردي مع الزيادة اللاحقة لأجل الدين، وهنا مكمن الفرق الدقيق والمفصلي بين التمويل الإسلامي والربوي، فعند تحديد قيمة دين المرابحة – على سبيل المثال – لا يجوز بأي حال وتحت أي ذريعة أن يزداد الربح أو قيمة الدين ككل بعد إبرام العقد وإلا وقعنا في الربا المحرم، لكن يصح «ابتداء» وقبل توقيع العقود ربط مدة أجل ديون عقود المرابحة والتورق ونحوها بنسبة الربح، كأن تكون 10% لمدة سنتين و 20% لمدة 4 سنوات و 30% لمدة 6 سنوات وهكذا.

خلاصة الأمر أن الاقتصاد الإسلامي يعتبر الزمن كقيمة تابعة لا متبوعة كأصل لنمو الدين، كما أنه مرتبط بنمو النشاط الاقتصادي لا نمو النشاط الائتماني عن طريق تغير قيمة الفوائد بالارتفاع بعد إبرام العقود والصفقات، وهذا يعزز حركة الدوران الاقتصادي ضمن محيط تداول النقود مع السلع والخدمات، لا كما في التمويل الربوي الذي يعزز النشاط الائتماني ونمو الديون مما يسبب كلفة مالية على المجتمع وعلى الاقتصاد الكلي بنمو التضخم وتراكم الديون لاسيما مع سياسات نقدية توسعية ذات أسعار فائدة منخفضة. ولنا وقفة أخرى بإذن الله مع فرق جوهري فلسفي آخر، يتمثل في المخاطر وسبل التعامل معها بين المدرستين الاقتصاديتين : الإسلامية والتقليدية.

 

الوسوم
إغلاق
إغلاق