مقالات وكتاب
أصل مقولة “بيدي لا بيد عمرو”
بقلم: د.عصام عبداللطيف الفليج
سأل البعض عن أصل مقولة “بيدي لا بيد عمرو” التي ذكرتها في مقال سابق، والحكمة المرجوة منها.
انتشرت هذه المقولة على ألسن العرب منذ القدم، وأصبحت مثلا يضرب في اتخاذ القرار، حيث تذكر مصادر تأريخ التراث العربي أن العراق في أواخر القرن الثالث ميلادي كان منقسما الى مملكتين؛ هما مملكة الحيرة ومملكة تدمر، وقتل ملك الحيرة “جذيمة الأبرش” ملك تدمر “عمرو بن الأظرب” في إحدى الحروب المتوالية بينهمالأسباب ثأرية تارة، واستحواذية لمناطق تارة أخرى، كما كان ذلك منتشرا في ذلك الزمن.
فتولت ابنته “الزباء بنت عمرو بن الأظرب”الحكم بعد والدها، وعرفت “الزباء” بقوتها ودهائها وجسارتها ودرايتها بفنون الحربوالقتال، وإجادتها استخدام كل الأسلحة.
وبعد أن استقر الحكم عندها، وهدأت الأمور، أرسلت الزباء إلى جذيمة تعرض عليه الزواج منها، كي تتوحد المملكتان، وتتوقف الحروب،ويساعدها في إدارة شؤون مملكتها، فعرض ذلك على مستشاريه في القصر، فأجمعوا على الموافقة على طلبها، كي يبسط حكمه على المملكتين، ماعدا مستشاره “قصير بن سعد” الذي شعر بوجود مؤامرة في العرض،فأشار على الملك أن يطلب إليها أن تأتي هي إلى الحيرة لعقد الزواج منها، إلا أنه لم يسمع له، وأوكل ابن اخته “عمرو بن عدي”مهام الحكم حتى يعود، وانطلق نحو مملكة تدمر فرحا بهذا العرض السخي.. زواج ومملكة أخرى.
وعند وصول جذيمة تدمر، دخل غرفة الملكةالزباء؛ فوجدها بكامل ملابسها الحربية،وقالت له: جئت لتطلب موتك لا عرسك. وقتلته في الحال انتقاما لوالدها.
وصل خبر موت جذيمة إلى قصير (مستشار جذيمة)، فأخبر ابن اخته عمرو الذي ولاه الحكم بعده، وحثه على الثأر لخاله من تلك المرأة المخادعة، واقترح عليه حيلة بأن يجلدوه حتى تتمزق ملابسه، ثم يذهب مسرعاً الى الملكة الزباء يشكو لها ما فعله به عمرو بن عدي لأنه أشار لجذيمة بزواجها منها، وقد لجأ اليها لتحميه من بطش عمرو.
وانطلت الحيلة على الزباء، فاستضافتهوأسكنته معها في القصر، وقام قصيربدراسة القصر بالكامل من الداخل والخارج،وحتى المخرج السري الخاص بالملكة الذي تستخدمه للهروب من القصر في حالة حدوث أي هجوم.
وادعى بعد فترة أن لديه تجارة كبيرة من الأقمشة الحريرية في الحيرة، وعليه الذهاببسرية ليأتي بها إلى تدمر، فسمحت له بالذهاب.
هنا حذرها المنجم الخاص بها من عمرو بن عدي؛ لأن هلاكها سيكون على يديه، فأرسلت أمهر الرسامين من مملكتها ليتخفوا وسط خدم عمرو لرسم صورته؛ حتى تتعرف على شكله جيداً، وتحذر منه، ونجحوا في ذلك.
عاد قصير بعد فترة وجيزة للملكة الزباءمحملاً بالهدايا القيمة من مجوهرات وثياب وعطور أثارت إعجابها. وبعد فترة طلب منها السماح له بالرحيل مرة أخرى فسمحت له، وعاد هذه المرة بهدايا مضاعفة.
وفي المرة الثالثة عاد ومعه الكثير من الجمال المحملة ببضائع تكاد تسقط من ثقلها، وعند دخول القافلة ساحة القصر؛فتح قصير أجولة الجمال الثقيلة، وكانت المفاجأة أنه كان في كل جوال رجل من جيش عمرو، وهجموا على الحراس، فلما علمت الزباء بذلك؛ أسرعت للهروب من المخرج السري الخاص بها، وفوجئت عند وصولهابعمرو ينتظرها هناك، فقالت: “بيدي لا بيد عمرو”، ثم بلعت سما كان في خاتمها، فماتت.
وهناك رواية تقول إن عمرو لحق بها وقتلها بسيفه، ليحقق انتقامه لخاله.
وهذه الرواية مذكورة بعدة أشكال، والنتيجة واحدة، ومنتشرة في الانترنت، حيث تم اقتباسها منها، مع التصرف والاختصار.
ومنذ ذلك الزمن انتشرت هذه المقولة “بيدي لا بيد عمرو”، كناية على أنه ينبغي على الإنسان أن يتخذ قراره بنفسه ولا يتردد، حتى لا يأتي القرار من غيره جبرا وقسرا، سواء كان من صديق أو عدو.