مقالات وكتاب
نوابغ البدون.. والحل بيدي لا بيد عمرو
بقلم: د.عصام عبداللطيف الفليج
تكفلت الحكومة الكويتية مشكورة بتعليم وعلاج “البدون” منذ نشأة البلاد، وليس في ذلك منة، بل هو واجب إنساني التزمت به. وتخرج من مدارسها ومراكزها ومعاهدها وكلياتها عشرات الآلاف منهم.
وقد عمدت الدولة في فترة من الزمن لتجنيس كل من يحمل شهادة جامعية، لزيادة أعداد الجامعيين آنذاك، ثم رفعت درجة التجنيس لكل من يحمل شهادة دكتوراة، ثم أغلقت هذا الملف، وسلمته للنواب!!
أما التوظيف؛ فقد كان مفتوحا بشكل كبير للبدون في بداياته، ومع تزايد أعداد الخريجين الكويتيين، وارتفاع نسبة البطالة بينهم، بدأت فرص العمل للبدون تضيق تدريجيا، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه.
والذي يستغرب له الكثير من الناس، أن الدولة قد تكبدت أموالا طائلة في تعليم هذه الفئة، ولم تستفد منهم وظيفيا، مما اضطر العديد منهم في السبعينات والثمانينات للهجرة لدول الخليج أو غيرها، والعمل بالشهادات الكويتية، واستقروا هناك وحصلوا على الجنسية، وعلى مناصب متميزة.
فكان الرد الطبيعي أن الدولة لم تقدم الخدمات التعليمية لأجل مكاسب وظيفية أو سياسية، إنما قدمتها للكويتيين والبدونوالوافدين على حد سواء كالتزام إنساني، وأعادت تنظيم الأمور بحسب الأوضاع الاقتصادية والإقليمية، وكلنا يذكر عندما فتحت أبواب مدارسها في الفترة المسائية في الثمانينات لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الوافدين.
هنا ننتقل على نقطة أخرى، وهي وجود عشرات النوابغ والمتميزين من فئة البدون لم ينالوا فرصتهم الوظيفية في المرافق الحكومية، فقد حرص المئات منهم على استكمال دراستهم على نفقتهم الخاصة، أو من أهل الخير، أو منح دراسية، وحصلوا على شهادات متنوعة في الطب والهندسة وغير ذلك، إضافة للحاصلين على شهادات الدكتوراة في مختلف الاختصاصات، ومن جامعات معتمدة، إلا أنهم لم ينالوا فرص العمل في الأجهزة الحكومية، في حين يتم استقدام وافدين من عدة دول للعمل بنفس الاختصاصات!
وباعتقادي أن أولئك الشباب أولى بالتعيين لعدة أسباب؛ فالدولة صرفت عليهم مئات الألوف في التعليم العام، وهم أبناء البلد نشأة وتربية وقيما وعادات وتقاليد، وبالتالي هم أقدر من الوافدين على التعامل مع المجتمع، خصوصا أن ولاءهم لهذه الأرض التي لا يعرفون غيرها.
وأمام النقص الشديد في سلك التعليم، أرى أنه من الضروري تعيين البدون، رجالا ونساء، لذات الأسباب السابقة.
ولا ننسى أن السلك العسكري يشمل في تعييناته البدون، وكلنا يذكر شهداء الواجب من البدون، وهذا مدعاة ثقة بهم، وجميل أن تنتقل هذه الثقة لباقي الوزارات والهيئات، وأن تكون لهم معاملة خاصة بهم، فيكونون في العقود وسطا بين الكويتي والوافد.
وللأمانة يوجد شباب بدون كثيرون يرفعون الرأس، وينشد بهم الظهر، رجالا ونساء، يخدمون الناس من خلال وظائفهم بكل إنسانية وأدب وخلق، فالبلد أولى بهم.
وهنا لا بد أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها، حتى يكون الحل بيدها لا بيد عمرو، فكفى استطالة بهذه القضية وكل ملفاتها التفصيلية لدى الجهات الرسمية، وكفى بعض النواب متاجرة بها، فالمنطقة تمر بمآزق إقليمية، والبلد تتعرض لضغوطات دولية، وهذه القضية تكلف الدولة من الجهد والوقت والمال والسياسة والاعلام والابتزازالشيء الكثير، فمن يستحق الجنسية ليأخذها، ومن لا يستحقها ليعود إلى ما كان عليه من خلال الوثائق التي تحتفظ بها وزارة الداخلية، فالكويت لم تعد تتحمل المزيد من المشاكل العالقة.
والله يحفظ الكويت من كل شر، وأن يوفق الجميع لحل هذه القضية العالقة.