مقالات وكتاب

السعودية والاتجاه المتدرج نحو الليبرالية

بقلم: د. عصام عبداللطيف الفليج

قد يستغرب البعض من هذا الكلام المباشر والصريح، فهل يعقل أن بلاد الحرمين، حامية راية التوحيد، ومجمع أهل العلم ومرجع الفتوى، وقائدة ركب أهل السنة والجماعة، أن تتجه نحو الليبرالية وتتبناها؟
بلا شك أنها صدمة لكل من يعيش الماضي، بعيدا عن تغيرات الحياة وتطورها اليومي، على المستوى السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي، وتوضيح هذا الأمر ييسر تفسير ما يحصل حولنا، ويسهل التعامل مع مجريات الأحداث.
لا يختلف اثنان على أن نشأة المملكة العربية السعودية بمراحلها المختلفة؛ ساهمت بتوحيد شتات قبائل الجزيرة العربية، واستقرار البدو الرحل، وانتشار الأمن والأمان، وإعطاء قوة إضافية لأهل السنة في العالم، وإلغاء الصراع المذهبي بين السنة (توحيد الأذان في الحرم نموذجا، والصلاة خلف إمام واحد)، وانتشار الجامعات والمعاهد، وحمت المنطقة من انتقال أفكار القومية العربية والاشتراكية إليها، وحققت نقلة نوعية في خدمة الحرمين الشريفين، وأنشأت جيلا واسعا من المشايخ والعلماء وطلبة العلم، وامتد أثرها الدعوي لمختلف أقطاب العالم، وانتشر عملها الخيري في أرجاء المعمورة.. وغير ذلك كثير.
وتواجد خلال هذه السنوات الطويلة صف آخر عمل بالخفاء، وخطط بصمت لهذه اللحظة؛ لحظة الانتقال نحو اللبرلة، بتنسيق مع القوى الدولية، ولا أبالغ إن قلت مع الصهيونية والماسونية، وهم متغلغلون ضمن البطانة، ويشاركون في صنع الرأي السياسي، ولعل السلطة السياسية كانت تدفع لتأخير هذه اللحظة التزاما للاتفاق التاريخي مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، والعلماء الأكارم من بعده، وتقديرا للشعب الذي بايعهم على السمع والطاعة.
وكان لظهور بعض الآراء الشرعية المختلف عليها بشدة، والغلو في بعض المواقف، وبالأخص في قضايا المرأة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فرصة رائجة لانتقاد العلماء بشكل عام، ومن يراقب الصحافة من زمن بعيد يلمس ذلك بوضوح.
وحتى لا أطيل في السرد العام، سأذكر بعض الملامح التي تبين التدرج في المنهجية الناعمة للانتقال نحو الليبرالية:
• تأسيس قناة mbc وما تلاها من قنوات، التي رفعت سقف الرقابة تدريجيا.
• تعد السعودية آخر دول الخليج العربي تطبيقا للاقتصاد الإسلامي، بالأخص في البنوك.
• استضافة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في جدة للقاء خاص مع نساء الأعمال السعوديات.
• افتتاح جامعة التكنلوجيا في جدة، التي لا يدخلها إلا خاصة الخاصة، وفيها اختلاط، ورقابة مرفوعة.
• اعلان وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل رحمه الله أن الليبرالية هي الأصلح.
• الانتقاد الإعلامي (صحافة، تلفزيون..) المتكرر للعلماء وليس للموضوع، وبأسلوب ساخر فج، دون إفساح المجال للرأي الآخر، ودون احترام.
• انتشار التمثيليات التي تنتقد كل ملتزم دينيا بلا ضوابط، وبالأخص “طاش ما طاش” و”سلفي”.
• بناء دور السينما تمهيدا لهذه اللحظة.
• استقبال السلطة السياسية لمؤيدي دمج إدارة تعليم البنات في وزارة التربية، وعدم استقبال المعارضين.
• الكذب الإعلامي المتكرر والافتراء على رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• الظهور المفرط للمذيعات السعوديات بحجاب نصف رأس، وكم مفتوح للذراع، ومكياج مبالغ، وملابس ضيقة، ولقاء الرجال، وضحك وغنج، و.. و.. وغير ذلك.
• منع رجال الهيئة من التدخل في وقف تجاوزات النساء في الجنادرية.
• مشاركة النساء في حفلات المولات كمذيعات ومتسابقات.
• استضافة العديد من الفرق الأجنبية لإحياء برامج ترفيهية.
• تشكيل لجان دولية مشتركة لمراجعة المناهج الدينية.
• مشاركة المرأة في مجلس الشورى، وقريبا في الحكومة.
وغير ذلك كثير، يراه أي متابع للشأن السعودي.
وأنا هنا لا أقول ذلك مؤيدا أو معارضا، فهذه سياسة بلد هم أدرى بها، وكل دول الخليج سبقتها في ذلك كله، ولكنه تحليل مختصر جدا لمرحلة مفصلية في تاريخ المملكة، تتجه فيها تدريجيا نحو الليبرالية، يرى الكثير من الناس فيها الغرابة، ولكنها طبيعة الحياة التي ينبغي أن نتفاعل معها إيجابيا، فيما يحفظ ديننا وقيمنا وأبنائنا، ولست مبديا رأي أو قول، فأهل مكة أدرى بشعابها.
وأتمنى هنا تدارس رفع كلمة التوحيد من العلم السعودي والاكتفاء بالنخلة، لامتهان الكثير من النساء لهذا الراية بالجلوس على اسم الجلالة، أو ربطها على خصرها، أو غير ذلك.
وأسأل الله في ذكرى اليوم الوطني أن يحفظ السعودية من كل سوء، وأن يوفق حكامها لكل خير.
وتحية كبرى بهذه المناسبة للسفير د.عبدالعزيز الفايز على تواصله مع المجتمع الكويتي بروح طيبة.

الوسوم
إغلاق
إغلاق