مقالات وكتاب
العشاء الأخير
بقلم : عبدالله خالد العبدالمنعم
فجعت الكويت الأسبوع الماضي باستشهاد اثنين من خيرة أبنائها البررة وهما الشيخين الفاضلين : أ.د. وليد العلي الإمام والخطيب بمسجد الدولة الكبير والداعية فهد الحسيني – رحمهما الله – واللذان وهبا نفسيهما للدعوة إلى الله ونشر العلم الشرعي في ربوع القارة الإفريقية السمراء، فامتدت يد الغدر والإرهاب لتهاجم كل من كان في المطعم حيث كانا ضمن من ارتاده لحظة وقوع الهجوم الغاشم، فبعد أن تكللت رحلتهما الدعوية بالنجاح قررا قبيل الذهاب إلى المطار التوجه إلى أحد المطاعم لتناول وجبة العشاء، ولم يعلم الشيخان أن هذه الوجبة هي وجبة «العشاء الأخير» في حياتهما ليدخل هذا الشقي فيقتل معظم من كان فيه، ويسلّم الشيخان الجليلان روحيهما إلى الله تعالى ويترجلان عن خيل الحياة بسيرة عطرة كريمة مليئة بالخير.
وهذه المسيرة لم تكن الأولى .. فهاهو الداعية د. عبدالرحمن السميط يلوح في الأفق كرمز من رموز العمل الخيري والدعوي ليس على مستوى دولة الكويت فحسب بل على مستوى العالم الإسلامي، فسيرته الزكية فاحت لتلامس كل فقير ومسكين ومكلوم في أفريقيا، وهذا هو العم عبدالله العلي المطوع وذاك الداعية نادر النوري – رحمهما الله – وغيرهما الكثير والكثير من رموز العمل الإنساني والخيري والدعوي، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر نسأل الله أن يطيل بأعمارهم ويبارك في أعمالهم، لتتوج الكويت بعد عقود طويلة مركزا للعمل الإنساني واضعة بصمتها في كل شبر وبقعة من العالم.
من هذا المنطلق .. ولعل أهم ما تجدر الإشارة إليه في قطاع العمل الخيري والإنساني هو ضرورة تطويره على صعيد المنتجات الخيرية المقدمة، من خلال ابتكار أدوات مالية إسلامية لاربحية تساهم في تعزيزه، في الزكاة والوقف والقرض الحسن وغيرها من عقود التبرعات في الاقتصاد الإسلامي، فالوقف على سبيل المثال لم يختزل على مر التاريخ في رعاية الفقراء والأيتام والمساجد وطلبة العلم فحسب، بل كان أداة مالية ومنتج اقتصادي في التنمية المجتمعية الشاملة في كافة مناحي الحياة، والتحدي هو كيفية ابتكار أساليب لجعل الوقف أداة تدعم التعليم والصحة والصناعات والتكنولوجيا والترفيه وكافة مجالات التنمية المستدامة في الدولة، لاسيما وأن اقتصاد الوقف هو اقتصاد مستدام يقوم على تمويل نفسه بنفسه، وهذا هو مكمن التميز. وإن جئنا إلى الزكاة وبقية عقود التبرعات في الاقتصاد الإسلامي، نجد أن الباب مفتوح على مصراعيه لتطوير أدوات ومنتجات مالية لا ربحية تحقق التنمية المستدامة والرفاه الاقتصادي لدولنا وبقية دول العالم الإسلامي، كتأسيس شركات تجارية كبرى مساهمة من أموال الزكاة تنفذ وتدير مشاريعا تنموية للفقراء والمساكين.
اعتقد أنه حان الأوان بعد هذه التاريخ الحافل للعمل الخيري والإنساني في دولة الكويت، أن تتداعى مؤسسات القطاع اللاربحي ومنها المؤسسات الخيرية لعقد مؤتمر علمي جاد، تنقل فيه العمل الخيري من عقلية «النمط التقليدي» إلى عقلية «النمط الاحترافي» عبر أبحاث وأوراق عمل تبتكر منتجات وأدوات مالية إسلامية لاربحية كالتي ذكرنا بعضها آنفا، وكلي ثقة بعد الله تعالى أن هذا المؤتمر سيعقد يوما ما، ومنا إلى من يهمه الأمر.