مقالات وكتاب

تجديد العمل وفق مقاصد الشريعة

بقلم : د. عصام عبداللطيف الفليج

يحتاج العالم الإسلامي إلى خطوة جريئة في إعادة كتابة تاريخه بشكل تفصيلي في مختلف المجالات، في السيرة النبوية، والأحاديث الشريفة، وتجديد التفسير، وتاريخ الأمم والخلافات والأمصار والبلدان، وانتقال الشعوب، وربط علوم الفقه بمستجدات الحياة، ومقاصد الشريعة بمصالح المسلمين، وتطوير التعامل بين علوم الشريعة والعلوم الحديثة.

إن مجرد التفكير – وليس الحديث – في مثل هذا الأمر يجعل كثيرا من الناس يتوترون، خوفا على ذلك التراث العلمي الكبير من الضياع والاضمحلال والذوبان والتلاعب.. وغير ذلك، فما نراه ونقرؤه ونعيشه من علوم شرعية هو حصاد 15 قرنا من تاريخ الإسلام، فكيف لنا أن نتراجع عنه؟!

وقد يقول قائل إن المجامع الفقهية حريصة على تجديد آرائها وفتاواها بناء على المستجدات العلمية، وبالتالي ليست لنا حاجة للتجديد والتطوير.

وقد يقول آخر إن الأحاديث النبوية تم تجميعها في وقت مبكر، أقرب إلى زمن النبي ﷺ، وأعاد كتابتها تصحيحا وتضعيفا الشيخ الألباني، فلم إعادة الكتابة؟!

وهناك من يقول إن لهذه العلوم مدارس متنوعة، ومذاهب متعددة، ومناهج متباينة، ولها تاريخ طويل، وعمق كبير، فكيف يمكن الممازجة بينها وهي مختلفة؟

وهكذا من ردود فعل مباشرة وطبيعية لأي فكرة تطوير او تجديد أو تغيير، بحسن نية، ومن باب الاستقرار لا المعارضة، ولعل ذلك التخوف أحد أكبر أسباب عدم الاستفادة الأمثل من سعة الشريعة ورحابتها في مختلف مجالاتها، فيما تعرضت الأمة لمزيد من التضييق باسم «سد الذرائع»، و«الأحوط»، و«درء المفسدة».. وغير ذلك من تأويل للقواعد الفقهية، وأيضا بحسن نية.

ولا يخفى على أحد توالي اختلاف العلماء والفقهاء عبر الزمن بأشكال عديدة، وأسباب مختلفة، بفكر علمي، أو اعتداد بالرأي، أو انتصار للنفس، أو تأويل مصالح حسب رؤية وزاوية معينة، أو ارتباط بأحداث خاصة في زمن ما، أو ميول سياسية، أو ضيق أفق، أو جهل بالعلوم الأخرى.. الشرعية والدنيوية، أو إرضاء لحاكم، أو دفع مفسدة.. وغير ذلك، وبالطبع لا يعرف كل علماء هذا الزمان – وقبله – كل تلك التفاصيل، فلا غرابة أن نرى تكرار الاختلاف إلى حد التكفير!!

ورأينا خلال 15 قرنا العديد من الملل والنحل والعقائد المسلمة التي يتم تكفيرها وإخراجها من الملة لاختلاف المدرسة الفكرية أو السياسية أو المصلحية.

لقد كان للأزهر دور كبير في جمع العلوم والعلماء، حتى جاءت ثورة يوليو وأجهضت دوره، ولعل ذلك كان فرصة لبروز عشرات العلماء في مختلف بقاع العالم الإسلامي، وظهور العديد من المدارس الفقهية والفكرية والثقافية المتجددة، التي فتحت آفاقا جديدة، ورأينا انتشار المراكز العلمية والاقتصادية الشرعية في أوروبا وأمريكا، التي أظهرت رؤية جديدة لمصالح المسلمين في دول غير المسلمين، وتوالت النوازل تلو الأخرى، وتوالت الفتاوى الجديدة لمصالح المسلمين.

إن التغيير والتطوير من سنن الحياة، والشريعة حياة، فعندما أجمع الفقهاء على أن 3 طلقات مرة واحدة هي 3 طلقات، اعتمدت الأمة رأي ابن تيمية بأن 3 طلقات مرة واحدة هي طلقة واحدة، وتغيرت قاعدة «من مات أبوه قبل جده، وضع يده على خده» في الميراث، إلى قاعدة «الوصية الواجبة» التي حفظت حق الأحفاد، وغيرها كثير من قواعد الحياة اليومية تؤكد سنن التغيير التي جاءت لمصلحة المسلمين.

وحتى على مستوى المراجع، فقد تراجع الألباني عن صحة 500 حديث بالنص الظاهر، و3000 حديث آخر على تفصيل، وذلك بعد جهد سنوات طويلة قضاها بين الكتب، ولا يلام في ذلك، فقد كان جهدا عظيما بذله دون مساعدة، ودون أجهزة الكترونية.

والآن مع وجود المئات من علماء الشريعة الأكفاء في كل دول العالم، في مختلف المذاهب والفنون والعلوم، فلا بأس من العمل من جديد في مراجعة ما مضى بتشكيل هيئة عالمية محايدة، لا تديرها دول، مستعينة بآخر وسائل التقنية والحواسيب، مستلهمين في عملهم «مقاصد الشريعة» التي تحقق الخير للمسلمين.

والله أعلم.

الوسوم
إغلاق
إغلاق