مقالات وكتاب
احذروا خلط الأوراق في خلية العبدلي
بقلم: د. عصام عبداللطيف الفليج
حاولت أن أجد مبررا لفزعة البعض تجاه خلية العبدلي والدفاع عنها (عرب وعجم)، فلم أر سوى النصرة المذهبية، على حساب النصرة الوطنية والدينية ونصرة الحق، رغم إثبات المحكمة التهم المدانين بها. ولعلي أجد مبررا انتخابيا للنواب والمرشحين، لكن الآخرين.. أما وسعهم السكوت في ظل أوضاع سياسية إقليمية متوترة؟!!
كتبت عدة مرات لتبيان العلاقات الإيجابية مع إيران، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، مع تبيان للسلبيات التي تشوب هذه العلاقة التاريخية، في رسالة واضحة للرغبة بتجاوز السلبيات، والتركيز على الإيجابيات، لمصلحة الشعبين، وتأكيدا لعدم وجود حساسية مذهبية ولا عرقية تجاههم، إلا أن النتائج كانت على غير ما كنا نتمنى.
نعم.. لقد تشكلت وفودا ولجانا مشتركة عديدة؛ بهدف تقريب وجهات النظر، ولم تأل جمعية الصحفيين الكويتية جهدا في ذلك، وأقامت مؤسسة البابطين الثقافية الملتقيات الشعرية، ودعم التجار العلاقات الاقتصادية، وعززت شركات السفريات السياحة والرحلات الدينية، واستمات النواب والكتاب إياهم في الدفاع عن المخالفات والتجاوزات الإيرانية، ولم تسحب الكويت بعثتها كما فعلت دول أخرى، وزار سمو الأمير إيران، واستقبل مسؤوليها في الكويت، واستمرت تتعامل بحسن ظن عالي المستوى.
ومع ذلك لم تتبادر أي خطوات إيجابية من الطرف الإيراني، فما زالت مشكلة الجرف القاري معلقة، وإلى الآن تحتجز العديد من أصحاب الزوارق الكويتيين (الحداقة)، وتمنع اتصالهم مع سفارتهم بادعاءات واهية، يفقهها كل سياسي وكل رجل أمن، وما زالت تنسق عبر سفارتها مع سياسيين ونواب الكويتيين، ولها خلية تجسس مثبتة قانونا، ولها ارتباطات مع بعض الإرهابيين المدانين في خلية العبدلي وغيرها!
لقد قدرنا الموقف الإيراني الإيجابي في استيعاب الخارجين من الكويت فترة الاحتلال العراقي الغاشم للكويت، والسماح لهم بالمرور أو الإقامة، وسعدنا بعودة العلاقات السياسية، وفتح خطوط الطيران لعدة مدن، وتنشيط العلاقات بأنواعها، لكننا صدمنا بما بعدها.
نمتلك جميعا علاقات جميلة مع إيرانيين مسؤولين ومواطنين، ونتمنى ان تستمر هذه العلاقة، لكننا لا نقبل أن يتم المساس بأمن الوطن.
وقد سألت بعض القضاة الأصدقاء، فأقسموا بعدم وجود أي تدخل من القيادة السياسية في القضية، وأن القضاء كان حرا، ومن يتحمل أي حكم هو القاضي وحده، واستشهدوا بوجود قضايا ضد أبناء الأسرة الحاكمة، ومع ذلك لم يتدخل أحد.
أعلم أن ثقافة السياسة الإيرانية في المفاوضات هي الهدوء والنفس الطويل، وأعرف أنها تتعامل مع الغرب عموما وأمريكا خصوصا وفق نظرية “شعرة معاوية”، وأنها دولة نظام، لا نظام دولة، وأنها استفادت من خدعة حث صدام لغزو الكويت، فكان دماره على يد من جره، واستفادت من تجربة إسقاط شاه إيران حليف الغرب على أيدي الغرب، وأن من أحضر النظام الجديد وثبته هم الغرب، لذا.. فهي ليست مستعدة لمزيد من الخسائر.
وستحرص إيران مع كل ما جرى على عودة علاقاتها بشكل أفضل مع جيرانها، لأنها تعلم أنها الآن أداة يستخدمها الغرب، وسيتخلص منها حين ينتهي من إعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد، الذي بلا شك يشمل إيران الكبرى، وهي تعي ذلك كله.
نعم.. وبدون حساسية.. لقد استخدم من أحضر النظام الحالي عنصرية إيران القومية في المزيد من شق العلاقة مع العالم العربي، بدل التقارب معهم، والتي كان يسعى فيها الشاه سنوات طويلة للتقارب معهم، لكنه أوغل في الكبر وشعور العظمة حتى أسقطه من دعمه، فهل يعي من بعده؟!
واستخدموا إيران كأب روحي للمذهب الشيعي لدى العالم الإسلامي، إمعانا في اختراق بلاد المسلمين وتفريقهم، مع أن معظم المراجع الشيعية في جنوب العراق وإقليم الإحساء، ولكنها السيطرة المالية والنفوذ السياسي المدعوم، ومن خلاله تم تصفية جميع المراجع القوية، فهل من ممعن؟!
أن تأتي متأخرا خيرا من ألا تأتي، وأن تشعر بالألم خيرا من التخدير حتى البتر، فلإيران وأتباعها قومية أو مذهبيا أو عنصرية الخيار، إما الاستقرار والسلام واحترام الآخرين، وللمواطنين احترام الوطن، وإما الوغول في الغي، وحينها لا ينفع ندم.
اللهم احفظ كويتنا الحبيبة وجميع بلاد المسلمين من كل سوء، وأصلح قادة المسلمين وهيء لهم البطانة الصالحة، ووفقهم لكل خير.