مقالات وكتاب
علي المسند و( مربط الزبارة) الحضاري
بقلم: عبدالرحمن المسفر*
في دولة قطر الشقيقة التي نحب أهلها الطيبين ، ذوي المكارم والمروءات والنخوات ، نجد اهتماما رسميا كبيرا للمحافظة على التراث العربي والإسلامي سواء ما يتعلق بالتاريخ والمخطوطات أو ما يتصل بالآثار القديمة والمقتنيات النادرة وما سوى ذلك من أشكال مختلفة تعيدنا إلى قرون سالفة من أمجاد أمتنا وما خلفته وراءها من حضارة عريقة ، ولذا نرى هيئة متاحف قطر التي تشرف على المشاريع الثقافية والتراثية والتاريخية تقوم بجهود استثنائية لإحياء التراث العربي والإسلامي ووصله بحاضرنا عن طريق إقامة المتاحف المتخصصة وتزويدها بالمقتنيات القيمة وكذلك تدشين المشاريع التراثية الوطنية وتلك التاريخية الضاربة في عمق الزمن البعيد ، مما جعل قطر منارة حضارية لتوثيق ما انقطع من تاريخ آبائنا وأجدادنا ، فحق لهذه الدولة الفتية أن نطلق عليها ( حاضنة التراث العربي والإسلامي).
انعكست تلك الأجواء الرسمية المشجعة على الاهتمام بالتراث لتأخذ نصيبها إلى الشعب القطري الذي انبرت منه شخصيات لامعة لمؤازرة الدولة في مشاريعها الثقافية والتراثية من أمثال الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني والفاضل علي بن عبدالله المسند وغيرهما العديد من القامات القطرية التي كانت ومازالت تعبر عن إشراقة المجتمع القطري عبر ما يقدمونه من خدمات وعطاءات نوعية لإحياء تراثنا العربي الإسلامي.
في هذا البلد العربي الصغير بجغرافيته وسكانه ، نلحظ رجالا ذوي همة عالية في استعادة إحدى صور أمجاد أمتنا الإسلامية العربية من خلال إقامة مربط للخيل العربية الأصيلة تاريخا ونسبا، أطلق عليه صاحبه علي المسند ( مربط الزبارة) ، حيث في هذا المكان مكتمل المرافق والتجهيزات والخدمات ، لا نرى فقط الخيول العربية الأصيلة المبهرة بجمالها وألوانها الجذابة ومهاراتها في الاستعراض ، وإنما نجد ما هو أهم من ذلك ، إننا نشهد مدرسة تربوية وتراثية وتاريخية ، تستمد منها الأجيال منهجا متكاملا وشاملا في تاريخ الخيل العربية وطرق ترييتها وكيفية إنتاجها وتعلم ركوبها وأساليب تدريبها على السباق وعرض جمالها ومهاراتها، فضلا عن قائمة من القيم الفكرية والمهارتية التي يمكن تلقيها من مخالطة ومعايشة هذا المخلوق الرائع الذي ورد ذكره في مواضع متعددة من القرآن الكريم والسنة النبوية ، إذ إن في هذه الدابة آيات عظيمات نتعلم في ظلالها رباطة الجأش والصبر وحسن التصرف وتحمل المشقات وتدريب عضلات الجسد وتقوية حواسه عدا ما تجلبه من الخير والبركة وراحة البال ، كما أن الحصان العربي يتميز عن سائر الحيوانات بحس مرهف كما يصف لنا ذلك الفاضل علي المسند : (يجب على من يتعامل مع الخيل أو يربيها خصوصا تلك العربية الأصيلة أن يتعاطى معها بلطف وتأن ، فهي لا تقبل الازدراء أو الزجر أو العنف ، كما أنها تشعر بكل سلوك تقوم به تجاهها سواء أكان إيجابيا أو سلبيا ).
إن ما يقوم به على المسند ( بوعبدالله) في مربط الزبارة لا يقتصر على تربية الخيول واستعراض قدراتها وإدخالها في سباقات تنافسية فحسب ، ولكنه يتعدى ذلك إلى أفق أسمى يتصل بغرس مفاهيم وقيم تربوية وأخلاقية وحضارية ، فهذا المربط أشبه ما يكون بمنصة لإطلاق رسائل وفضائل ما أحوجنا إليها في عصرنا الراهن ، وذلك لكي نستلهم أجمل ما أنستنا إياه الحياة المادية من تراث أصيل ومأثور حكيم وقيم تربوية وسلوكية .
إن جهود الفاضل على المسند في ( مربط خيله) ، هي إنجازات تنسب لأمة بأكملها ، وهي كذلك الرباط المستحق للحفاظ على واحدة من صور هويتنا العربية الإسلامية الخالدة المتجسدة في الخيل الأصيلة باعتبارها رمزا لبطولاتنا وفتوحاتنا التي نقشت أمجادنا في دفاتر التاريخ وسجلات الحضارات المختلفة .
* كاتب وإعلامي كويتي