مقالات وكتاب
إلى البنك المركزي مع التحية …
بقلم: أ. عبدالله خالد العبدالمنعم
بادئ ذي بدء أهنئ محافظ بنك الكويت المركزي د. محمد الهاشل وكافة موظفي البنك على افتتاح المبنى الجديد الأسبوع الماضي، هذا البرج الذي ضرب أجمل التصاميم وأكثرها روعة وفخامة وإطلالة على ضفاف جون الكويت ليعكس قوة وصلابة الاقتصاد الكويتي، فلكم مني كل تقدير ودعواتي للجميع بمزيد من النجاح والإبداع والتألق. وحتى أدخل في الموضوع مباشرة .. هذه رسالة أبعثها إلى بنك الكويت المركزي مع التحية.
منذ سبعينيات القرن الماضي والكويت كانت ومازالت سباقة في مجالات الاقتصاد الإسلامي، فمع إنطلاقة بيت التمويل الكويتي عام ١٩٧٧ برغبة سامية واستثنائية من الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح – طيب الله ثراه – والبلاد تشهد ريادة على مستوى المنطقة ككل في هذا المجال، انطلاقا بالبناء المؤسسي الصلب والمتين للعديد من البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية التي تأسست، مرورا بمؤسسات القطاع المالي اللاربحي كبيت الزكاة والأمانة العامة للأوقاف، وانتهاء بقانون البنوك الإسلامية رقم ٣٠ لسنة ٢٠٠٣ وتعليمات حوكمة الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية لسنة ٢٠١٦.
إلا أنه وبالرغم من تلك المبادرات لا يزال البنك المركزي في حاجة لتفهم أكثر لخصوصية وطبيعة العمل المصرفي الإسلامي عن غيره، وهذا مما لمسته بحكم تجربتي الطويلة في الصناعة المالية الإسلامية ومراقبتي عن كثب لتعليمات وقرارات البنك المركزي، حيث سأورد بعض الملاحظات على تعليمات حوكمة الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية التي أرجو من القائمين عليها سعة الصدر أولا وتقبل الاستدراك على هذه التعليمات مني ومن غيري بغية تطوير منهجية البنوك الإسلامية نحو الأسلم، لاسيما وأن البنك المركزي يهدف إلى تعزير ثقة العملاء بالبنوك الإسلامية.
من أكثر ما لفت نظري من هذه التعليمات ما نصه: (يجب ألا يشارك العضو في عضوية هيئة الرقابة الشرعية لأكثر من ثلاثة بنوك إسلامية في دولة الكويت)، هذه العبارة تشير إلى مشاركة خبراء فقه المعاملات المالية الإسلامية كأعضاء في هيئات الرقابة الشرعية في البنوك، ويفهم منه منع تعارض المصالح والحد من تكرار مشاركة عضو هيئة الرقابة الشرعية في أكثر من بنك، فإن قيل بذلك السبب، فما هو مبرر النص على ثلاث بنوك إسلامية تحديدا كحد أقصى؟!!! التجربة المصرفية الإسلامية الماليزية جديرة بالاستفادة، فهي تمنع عضو هيئة الرقابة الشرعية بالمشاركة في أكثر من مؤسسة في قطاع اقتصادي واحد، وتسمح بالمشاركة في أكثر من مؤسسة في قطاعات اقتصادية مختلفة، مثال: بنك واحد، شركة تأمين واحدة، شركة استثمار واحدة، .. الخ. إذ أن تعارض المصالح قد يمس مبدأ السرية التي أشارت اليها تعليمات حوكمة الرقابة الشرعية.
كما لم تشير تلك التعليمات إلى إنشاء هيئة رقابة شرعية مركزية تتبع بنك الكويت المركزي يناط بها مهام الإشراف على أعمال هيئات الرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية، فلا يمكن أن يظل البنك المركزي بإداراته التنفيذية هو المشرف لعمل الهيئات الشرعية – فنيا – دون وجود هيئة شرعية مركزية تستوعب هذه اللغة. إن منع ازدواجية وتضارب الفتاوى الشرعية لمسائل مصرفية متشابهة، ووضع معايير مفصلية دقيقة لضوابط التدقيق الشرعي الداخلي والخارجي، ومتابعة أعمال الهيئات الشرعية إداريا، وتطوير نشاط الرقابة الشرعية مستقبلا، لاسيما تطوير المنتجات والأدوات المالية الإسلامية، كل ما سبق وغيره هو من صميم عمل هيئة الرقابة الشرعية المركزية التي ينبغي تأسيسها وأتمنى أن يتفهم البنك المركزي هذه المسألة الجوهرية.
ومما تجدر الإشارة إليه .. أن التعليمات ذكرت في شروط تأسيس مكاتب التدقيق الشرعي الخارجي ما نصه: (أن يكون قد مضى على تأسيس المكتب ومباشرة مهامه خمسة سنوات على الأقل)، إن القاصي والداني يعلم أن مكاتب التدقيق الشرعي الخارجي في دولة الكويت أقل من عدد أصابع اليد، وأن مثل هذه القرارات قد تحد من بروز مكاتب تدقيق شرعي خارجي جديدة أخرى، في ظل توسع تنامي مد المصرفية الإسلامية، فإن كان المطلوب هي الخبرة .. فالخبرة تكمن في فريق التدقيق الشرعي العامل في هذه المكاتب لا إدارة مكاتب التدقيق الشرعي .. !!. بقي أن نشير إلى ضرورة تحقيق المواءمة بين تعليمات البنك المركزي وتعليمات هيئة أسواق المال في أنشطة الرقابة الشرعية والتدقيق الشرعي الداخلي والخارجي للحيلولة دون تعارض القرارات، هذه هي ملاحظات سريعة من جملة ملاحظاتي على رؤية البنك المركزي لأنشطة الرقابة الشرعية، فإن سنحت فرصة أخرى فللحديث بقية نحو مزيد من الملاحظات .