مقالات وكتاب
اعادة النظر بقانون الجنسية مطلب شعبي ودستوري مستحق
بقلم: عمار العجمي
إن مما لا شك أن شهادة الجنسية ليست صك تمنحه الدولة هبة لمواطنيها ، وإنما هي حق يعكس رابطة الانتماء للدولة ، ولا يمكن ان تكون بأي حال من الأحوال وسيلة عقاب او ضغط او مساومة بما تحمله هذه الممارسات الغير دستورية من تعسف ومس برابطة الولاء للدولة ، فيكون الخروج بها عن مقتضاها مخالف لجميع القواعد القانونية وعبث يهدم أساس الدولة ويمس جوهر حقوق مواطنيها .
لذلك نرى ان اعادة النظر بقانون الجنسية في الدولة اصبح امر مهم ، حيث شهد الوطن مأساة سحب جنسية بعض المواطنين لخلاف سياسي مما يبين معه الحاجة العاجلة لتحصين رابطة الولاء والانتماء بفرض رقابة القضاء على مسائل سحب وإسقاط الجنسية .
وفي هذا الاتجاه قدم بعض اخواننا من اعضاء مجلس الأمة اقتراح بقانون بتعديل بعض مواد قانون الجنسية، ونعلم جيدا صدق نوايا مقدمي التعديل واخلاصهم لوطنهم، خاصة وانهم تحملوا الكثير في سبيل الوطن وقدموا تضحيات كبيرة لا يقدمها الا مخلص لوطنه، ومن الأهمية بمكان مناقشة ما قدم للوصول الى افضل تنظيم ممكن لمسائل الجنسية على النحو الذي يحفظ للسلطة التنفيذية اختصاصاتها وللسلطة القضائية تفعيل دورها نحو بسط رقابة المشروعية على قرارات جوهرية تمس اخص حقوق المواطنة .
ولعل اهم نقاط خلاف في الاقتراح المقدم ما نصت عليه المادة الثالثة من قصر اسقاط او سحب الجنسية على من فقدها ودون امتداد اثار السحب على من كسبها بالتبعية ودون تفرقة بأحوال السحب بين كونه عقاب وبين سحبها للغش، فالغش يبطل جميع التصرفات، ومنح الجنسية بطريق الغش والتزوير لا يكسب حقا، ولا يمكن القبول بامتداد آثار الغش لتكسب حقا مهما كانت المبررات.
ورغم ان الاقتراح بين في المادة الثالثة عشر منه على جواز امتداد الأثر لمن كسبها بالتبعية ، الا انه يفترض التفرقة كذلك مع كسب الجنسية بطريق الغش او التزوير، ويمكن معالجة الاثار السلبية المترتبة على فقدها لمن كسبها بالتبعية بالنص على جواز تجنيسهم استقلالا وبمنأى عن التزوير والغش .
كما ان قصر اثبات التزوير على المخاطبات الرسمية بين الدول يصعب عملية الاثبات، حتى لو كان بأوراق رسمية ثابتة، ومن الأفضل ترك وسيلة الاثبات للقضاء ببسط رقابته على ادلة ازدواج الجنسية .
كذلك لا يجوز التسوية وفقا لما نصت عليه المادة الثامنة، في فقد الجنسية بين من تجنس بجنسية اخرى مرغما او باختياره، فمن يكتسب جنسية اخرى باختياره يفترض ان تسقط عنه الجنسية دون تخيير ، فكيف يخير من اختار جنسية اخرى بارادة حرة .
اما من يكتسب جنسية اخرى مرغما دون اختيار ، فلا يمكن اسقاط الجنسية او سحبها عنه ، فيكون إقراره بتنازله عن الجنسية الأجنبية وسيلة متوازنة لصيانة الحق بالجنسية .
كذلك قيدت المادة العاشرة البلاغات في مسائل الجنسية ، واعتبار كل بلاغ لم تثبت صحته بلاغ كيدي ، لما يحمله ذلك من شبهة مخالفة للدستور باعتبار البراءة هي الأصل ، كما وانه يلقي العبء على البلاغ الصحيح حال عجزت الأدلة عن اثباته ، ومن الأفضل ترك الفصل في الكيدية للقضاء .
ان الاقتراح المقدم خطوة هامة وجوهرية تكرس دولة المؤسسات ، ويحد من تغول السلطة والتعسف فيها تجاه الجنسية كاوثق رابطة بين المواطن والوطن ، وإخضاع مسائل الجنسية لرقابة القضاء مطلب شعبي ودستوري، كما ان التنظيم القانوني على النحو الذي أورده الاقتراح يتلاءم ومقتضيات العدالة والصالح العام، ونأمل ان تتلاقي إرادة السلطتين؛ التشريعية والقضائية لسن قانون يحمي المواطن من اساءة استخدام السلطة ويكفل في الوقت نفسه تفعيل الاختصاصات الدستورية لها ، بتنفيذ القانون من الحكومة تحت رقابة القضاء .