مقالات وكتاب
تعزيز التأثير بين الثواب والعقاب ؟!
بقلم: أ. خالد السلمي
” كتب والي خراسان للخليفة عمر بن عبدالعزيز : إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فكتب إليه عمر : أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فقد كذبت بل يصلحهم العدل والحق فابسط ذلك فيهم والسلام . ”
تحاول حكومة الكويت عبر اطروحات مختلفة ، خلق ثقافات معينة تسعى من خلالها الى تحقيق اهداف سامية بطبيعتها ، كتقليل اعداد المخالفات المرورية ، ترشيد استهلاك الكهرباء والماء و الوقود ، تقليل غياب الموظفين الحكوميين … الخ .
الا ان الفلسفة التي تقوم عليها تلك الاطروحات بحاجة الى اعادة نظرلسببين رئيسيين الاول : ان تأثيرها الايجابي ( ان وجد ) لا يطال سوى اقل الشرائح حجما ، فاصحاب المخالفات المرورية اقل عددا من اولئك الملتزمين بالقوانين المرورية ، والمستهلكين الاكبر للكهرباء والماء والوقود اقل عددا من اصحاب الاستهلاك الطبيعي ، كما ان نسبة غياب الموظفين الحكوميين اقل من نسبة حضورهم .
الثاتي : ان الحلول المقدمة تكمن في رفع قيمة الغرامات المرورية ، رفع قيمة استهلاك الماء والكهرباء والوقود ، وضع تدابير اكثر تعقيدا لاثبات الحضور وتبرير الغياب ، والتي تلقي بتأثيرها السلبي على الشريحة الاكبر( الرشيدة ) مما يشكل حالة عقابية غير مبررة .
بعيدا عن التنظير في هذه المسألة ، لننظر الى تجربة عملية تمت في السويد ، حيث تم وضع كاميرا خفية لتصوير مخالفي حدود السرعة في احد الطرق دون ان يعلم احد بوجودها . وبعد فترة تم تغيير مكان الكاميرا لتظهر بشكل واضح امام مرتادي الطريق مع وضع لوحات تحذيرية بوجود كاميرا لمخالفي السرعة . وبعد قياس نسبة المخالفين تم تسجيل تراجع واضح في نسبة المخالفات ، وهو ما يمكن توقعه منطقيا . المثير في تلك التجربة هو الخطوة الاخيرة فيها ، فقد تم تركيب كاميرا ثانية تصور الملتزمين بحدود السرعة ، وتم الاعلان عن وجود مكافأة مالية تعطى لاحد الملتزمين عن طريق القرعة تعادل قيمتها مجمل مخالفات الكاميرا الاولى ، بعد فترة اظهرت النتائج تراجع اكبر في نسبة المخالفات ! وليس هذا فحسب ، بل تم تسجيل تراجع في معدلات السرعة على هذا الطريق بشكل عام وبالتالي انخفاض طبيعي في استهلاك الوقود !
لنتأمل الكلمات التالية و نحاول ان نسقطها على ما نواجهه كل يوم في حياتنا ” من كان مَرباه بالعسف والقهر ، سطا به إلى القهر ، وضيق كل النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعا إلى الكسل ، وحمله إلى الكذب خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة ” * مقدمة ابن خلدون – رائد علم الاجتماع . بتصرف بسيط جدا.
والله من وراء القصد .