أمن ومحاكم
«التمييز»: لا ولاية للقضاء على سحب الجناسي
القبس/ كشفت محكمة التمييز انه لا ولاية للسلطة القضائية على أعمال السيادة، وهي مستبعدة، مبينة ان نأي القضاء عنها جاء لدواعي الحفاظ على كيان الدولة.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها النهائي الرافض الطعن، الذي تقدّم به النائب السابق عبدالله البرغش، لإعادة الجناسي المسحوبة منه وافراد عائلته: «إن نظرية أعمال السيادة وإن كانت في أصلها قضائية النشأة، ولدت في ساحة القضاء، وتبلورت في رحابة، لكنها في الكويت ذات أساس تشريعي، يرجع إلى بداية النظام القضائي الحديث الذي أقرها بنصوص صريحة في صلب قانون السلطة القضائية الذي استبعد أعمال السيادة من ولاية القضاء».
وأضافت المحكمة: «تحقيقا لتلك الاعتبارات، فإن النأي بأعمال السيادة عن الرقابة القضائية يأتي حفاظا على كيان الدولة، واستجابة لمقتضيات أمنها في الداخل والخارج، ورعاية لمصالحها الأساسية».
الرقابة القضائية
وتابعت المحكمة: «لقد وجدت هذه الاعتبارات صدى لدى القضاء في الدول المتحضّرة التي أخذت بنظام الرقابة القضائية على أعمال الإدارة؛ فاستبعدت المسائل السياسية من هذه الرقابة، وهي صورة من أعمال السيادة التي لا تنبسط عليها رقابة القضاء في النظام الكويتي».
وأشارت المحكمة إلى ان اعمال السيادة هي تلك الأعمال التي تصدر عن الحكومة، باعتبارها سلطة حكم، لا سلطة إدارة، وهي بطبيعتها أعمال حكومية «تخرج من ولاية المحاكم».
وأوضحت المحكمة ان المشرع ترك بما نص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 23 لسنة 1990 الصادر بشأن تنظيم القضاء أمر تحديدها للقضاء، اكتفاء بإعلان مبدأ وجودها، ذلك أن ما يعتبر عملا إداريا قد ترقى ظروف وملابسات معيّنة في دولة ما، إلى مرتبة أعمال السيادة، كما أن ما يعتبر عملا من أعمال السيادة قد يهبط في ظروف أخرى إلى مستوى الأعمال الإدارية.
وقالت المحكمة إن استبعاد أعمال السيادة من ولاية القضاء، إنما يأتي تحقيقاً للاعتبارات السياسية التي تقتضي ـــ وفق طبيعة هذه الأعمال واتصالها بنظام الدولة السياسي اتصالاً وثيقاً أو بسيادتها في الداخل والخارج ـــ النأي بها عن نطاق الرقابة القضائية، وذلك لدواعي الحفاظ على كيان الدولة في الداخل، والذود عن سيادتها في الخارج، ورعاية مصالحها العليا.
وتابعت: تبدو الحكمة من استبعاد هذه الأعمال من ولاية القضاء، متمثلة في اتصالها بسيادة الدولة في الداخل والخارج، وفي أنها لا تقبل بطبيعتها ـــ على ما سلف بيانه ــ ان تكون محلا للتقاضي لما يحط بها من اعتبارات سياسية تبرر تخويل السلطة التنفيذية سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقا، تحقيقا لمصلحة الوطن وسلامته من دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه من إجراءات في هذا الصدد.
أعمال السيادة
واستطردت المحكمة «ولأن النظر فيها أو التعقيب عليها يقتضي توافر معلومات وعناصر وموازين تقدير مختلفة لا تتاح للقضاء، إضافة إلى ان خروج أعمال السيادة عن ولاية القضاء يعد أحد صور التطبيق الأمثل لإعمال المفهوم الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات، الذي يوجب إقامة توازن دقيق بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث تتولى كل من هذه السلطات صلاحيتها التي خلفها عليها الدستور، وفي الحدود التي رسمها من دون افتئات من إحداها على الأخرى».
وبينت المحكمة ان مفاد ما أوردته نصوص قانون الجنسية رقم 1959/16 ومذكرته الإيضاحية، أن مسائل الجنسية في الكويت وما يتعلق بها من قرارات تتسم بطابع سياسي، أملته اعتبارات خاصة تتعلق بكيان الدولة ذاته، لتحديد شعب الكويت وممن يجوز له حمل الجنسية عند تأسيس الوطن لأول مرة، وكل ما يتصل بمسائل الجنسية من قرارات، بمراعاة تلك الاعتبارات، وفي نطاق ما تمليه تلك الظروف الاجتماعية، التي تقتضي صيانة الدولة وتحقيق أمنها والمحافظة على كيانها في الداخل.
واضافت المحكمة «وهي بهذا تعد من أعمال السيادة التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة، وينسجم ذلك مع ما قدرته السلطة التشريعية، ممثلة في مجلس الأمة ــ بما لها من سلطة تقديرية ــ ملائمة التصاق الأمور الأربعة الواردة في الفقرة خامسا من المادة الأولى من قانون إنشاء الدائرة الإدارية المشار إليها ــ ومنها بطبيعة الحال مسائل الجنسية ــ بالمصالح الأساسية للدولة، ورتبت على ذلك استبعاد المنازعات التي تنشأ حول القرارات الصادرة بشأنها من نطاق الرقابة القضائية لدائرة المنازعات الإدارية، فإن ذلك يعد منها، وبلا أدنى شك، من قبيل المسائل السياسية التي تمس الدولة.
ولاية المحاكم
قالت المحكمة في حيثيات حكم البرغش» لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد ما تنص عليه المادتان الأولى والثانية من قانون تنظيم القضاء، وما ينص عليه قانون إنشاء المحكمة الإدارية من إخراج مسائل الجنسية من نطاق اختصاصها أقام قضاؤه بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددا بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى تأسيسا على أن طلبات الطاعنين وفقا لما ورد بصحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في إلغاء قرار مجلس الوزراء المتضمن سحب شهادات جنسيتهم الكويتية التي حصلوا عليها وجنسية من كسبها تبعاً لهم استنادا إلى إقرار الطاعنين بأن والدهم لم يحصل على الجنسية الكويتية قبل وفاته، فضلا عن أن شهادات إثبات الجنسية التي يحوزها الطاعنون قد حصلوا عليها بطريقة غير قانونية، حيث انها صدرت بناء على شهادات شهود غير صحيحة، وذلك وفقا لإفادة وزارة الداخلية، وأن هذه الطلبات –بهذه المنزلة- تخرج عن اختصاص الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية إلغاء وتعويضا وفقا لقانون إنشائها رقم 1980/20 المعدل بالقانون رقم 61 لسنة 1982.
على غير أساس
خلص الحكم إلى أن القضاء غير مختص ولائيا بنظر الدعوى، وما خلص إليه الحكم سائغا وله أصله الثابت بالأوراق ويكفي لحمل قضائه ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، ومن ثم فإن النعي عليه بسبب الطعن يكون على غير أساس.
لم تكن في صلب المرسوم
اشارت محكمة التمييز إلى ان الفقرة الخامسة المشار إليها والخاصة بالمسائل المستبعدة من اختصاص الدائرة الإدارية لم تكن أصلا في صلب المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1981، بل انها أضيفت بموجب القانون رقم 61 لسنة 1982، وبالتالي فإن ما نصت عليه الفقرة الخامسة من المادة الأولى من قانون إنشاء الدائرة الإدارية المشار إليها من استبعاد القرارات الصادرة في مسائل الجنسية من اختصاص تلك الدائرة لايعدو ان يكون تأكيدا من المشرع باعتبار تلك المسائل من أعمال السيادة التي تخرج عن ولاية المحاكم.