مقالات وكتاب
أقزام عملقتهم الصدف !!
بقلم: علي باجي العنزي
تشير عقارب الساعة إلى الثانية عشر بعد منتصف الليل، والسكون يخيم على المكان، عادت بي الذاكرة إلى الخلف، وأخذت تمخر في عباب الماضي، وكان للأحداث السياسية على المستوى المحلي والتي وقعت خلال العشر سنوات الماضية نصيب الأسد من الاستحضار الذهني المشوش للذكريات ،،، !
شعرت برغبة ملحة في الغوص بالماضي رغم قناعتي أن الماضي أبواب مغلقة، لا يجب النظر إليه إلا لاستنباط العبر والدروس، وانسجاماً مع تلك الحالة النفسية والروحية تناولت هواتفي النقالة القديمة، واستعرضت فيها أبرز الأرقام لزملاء مهنة المتاعب، وبعض الأرقام المهمة لمسؤلين كبار كانت تربطني بهم علاقة بحكم المهنة، كما القيت نظرة سريعة، ولمحة للرسائل التي كنت اتبادلها مع بعض كبارات الرجال، وأشباههم إن صح التعبير ،،،! ابتسامة ساخرة، وغصه في النفس والخاطر، وشعور طفيف بالإحتقان عند فتح صندوق الرسائل، فالهواتف قديمة، وبطيئة كبطيء الحظ السيء المتمنن على صاحبه ،،، فُتح الصندوق، وفاحت رائحة العقدين الماضيين ،،، تبادل أخبار، وتسريبات لمعلومات، بعضها ظلم وتلفيق، وحفر ودفان، وحقيقة ونصف حقيقة، وأرباعها وأسداسها، وأصفارها، تجسدت في بعض تلك المحادثات،،، أحداث وذكريات ليست بعيدة لكنها مزدحمة بالأحداث والمواقف، وبعض من تلك الذكريات ترك أثراً في النفس والذاكرة، وبعضها اختفى لحظة زوال الظروف والحدث، الإعلام بكافة تفاصيله، وخاصة الصحافة في العقد الماضي كان عالما غريبا عجيبا، فهو ساحة، وهمية هلامية للصراعات على النفوذ والمال، والحصول على حضوة عند هذا الشيخ أو وذاك المتنفذ، أدوات جلها اللسان وإيماءات يتم رسمها باحترافية، من لديه القليل من النباهة، وسرعة البديهة، ويولج في ذالك العالم يكتشف أن معظم شخوصه من أبطال وكمبارس عباره عن بشر يعيشون لحظات حفلة تنكرية، معظمهم يلبسون اقنعة مزيفة ويدعون المثالية، لاسيما المتنفذون من بعض كبار رجال الدولة، ومن يدور في فلكهم !! أما بعض رجال التواصل الإجتماعي الورقي في تلك الفترة، إن صح التعبير فهم أكثر تنكراً وتلونناً لأن معظهم لديه أكثر من قناع !!
دخلت شارع الصحافة وكانت لدي اعتقادات خاطئة لم تترك جانبًا من جوانب شخصيتي السلوكية والاجتماعية إلا واخترقته، وهذه الاعتقادات مرجعها البيئة الاجتماعية، وتتمحور حول ضرورة الصدق بالتعامل والوفاء، وعدم الخيانة للأمانات بكافة أشكالها، وهي خاطئة في عالم المصلحة والنفعية، لكنها صحيحة في العالم المثالي الذي أمسى غريباً يتيماً في بيئة شديدة التلوث، تفشى فيها النفس المصلحي، وتضخمت فيها الأنا، وتحول فيها بعضاً من زملائي في ذلك الشارع إلا هياكل وجثث، تضعف أمام بريق المال، وتتهاوى رقابتهم مناعتهم الذاتية، ويلفظ الضمير أنفاسه، وبعد مخاضٍ طويل في مطابخ ذلك الشارع أدركتُ أنه لا وجود لبشر أنقياء ..!
عتب وحديث نفس
عندما تتعلق بإنسان وتفتن في صفاته، ويكون دستور العلاقة بينكما المحبة المجردة دون منطق خذ وهات، وتكشف حقيقته فهذه صدمة تفرض عليك منطق التعميم ،،، كنا نظنهم عمالقة وكبار، ولكن للأسف هم أقزام ،،،، أقزام !!