ثقافة وأدب وفنون

«عافك الخاطر».. واقعية الرسالة والحبكة الدرامية الجريئة

بعد انتهاء شهر رمضان المبارك العام الماضي، أطلت علينا العديد من المسلسلات الكويتية في عرض أول على عدد من القنوات الفضائية والمنصات الالكترونية وحظيت بنجاح لافت، ومنها مسلسل «عافك الخاطر» الذي وجد طريقه الى قلوب المشاهدين وحصد متابعة لافتة عند عرضه على «osn» و«شاهد» و«MBC1»، لاسيما انه يقدم مزيجا اجتماعيا لأجيال متعاقبة وعلاقات إنسانية متداخلة مليئة بالتغيرات النفسية.

تضحية أمينة

يناقش العمل مشاكل أسرية متنوعة مثل المشاكل الناتجة عن الزواج من امرأة ثانية، وعقوق الأبناء، وعددا من قضايا الشباب، وتدور القصة حول تضحية أمينة (أسمهان توفيق) المرأة التي التزمت بأداء رسالتها في الحياة، ولم تقصر ولم تتوان عن واجب من واجباتها حتى وصلت بعائلتها إلى بر الأمان، وتبدأ رحلة «أمينة» يوم كانت شابة طيبة في السبعينيات، عندما تزوجت مبارك (سليمان الياسين)، وكان الرجل الوحيد الذي عرفته في حياتها، وأنجبت منه أربع بنات هن فاطمة (عبير أحمد) وندى (هبة الدري) ومنيرة (غدير السبتي) وحصة (حصة النبهان) وولــد هو عيسى (نواف العلي)، وبينما هي تنتظر مولودها الجديد فوجئت بزواج «مبارك» من باسمة (ميس كمر)، وهي شابة تصغره سنا، وجعلت شغلها الشاغل مضايقة «أمينة» بلسانها السليط واختلاق المشاكل لمن حولها، في هذا الوقت تحول «مبارك» عن بيته وبناته وتفرغ لـ «باسمة» التي أنجبت له دانة (زمن عبدالله) التي كانت أسوأ من أمها في التعامل مع أخواتها من «أمينة».

تمر السنوات، ولا تقصر «أمينة» في تربية عائلتها الصغيرة حتى زوجت بناتها الثلاث، وأنجبن لها الأحفاد والحفيدات، فكبرت عائلة «أمينة» وكبرت معها المسؤوليات لتتحمل وحدها عبء معالجة المشكلات التي تتعرض لها بناتها من ناحية، ومن ناحية أخرى مواجهة التنمر الذي تتعرض له من «باسمة»، حتى نصل الى النهاية السعيدة للجميع، بعد انكسار «باسمة» التي فقدت ابنتها «دانية» واعتذارها عما بدر منها.

رسالة مجتمعية

الذي شاهد «عافك الخاطر» يدرك أن نجاح المسلسل جاء نتيجة مناقشته لقضايا أسرية مهمة (اجتماعية وإنسانية ورومانسية)، كما كانت الواقعية هي بوابة العبور الى قلوب المشاهدين، فقد قدم الكاتب عبدالله الرومي رسالته بصورة جريئة، متناولا قضايا ذات بُعد مجتمعي، من خلال تدرج منطقي للأحداث، مع إعطاء الشخصيات المساحات التي تحتاج اليها، فلم تكن هناك شخصية مركزية وتنقلت القصة الأساسية بين مجموعة من القصص الفرعية التي أعطت العمل زخما وتميزا، فكانت الحبكة فنية جيدة، كما رسم الرومي الصراعات الأسرية بشكل متوازن فلم يختل الإيقاع واستمرت وتيرة الإثارة من بداية العمل حتى الحلقات الأخيرة منه.

أداء الممثلين

اتسم أداء الممثلين بالطبيعية والتلقائية، فأسمهان توفيق أبدعت في تجسيد دور «أمينة» المرأة التي تضحي بالغالي والنفيس لأجل عائلتها، وبخبرتها الطويلة جعلتنا نعيش معها الشخصية بكل تفاصيلها، وشكلت مع الراحل سليمان الياسين ثنائيا متميزا، وهو الذي جسد دور «مبارك» كما ينبغي، وتنقل بسلاسة بين الحالات النفسية التي يصارعها نتيجة ندمه على إهماله لـ «أمينة» وبناتها، ومقاومته لتسلط «باسمة» سيطرتها على حياته.

ولعبت ميس كمر شخصية «باسمة» الزوجة الثانية بطريقة أظهرت مهاراتها التمثيلية العالية، فقدمت لحظات القوة والضعف بإجادة واضحة، وبرعت عبير أحمد وهبة الدري وغدير السبتي في تجسيد أدوار بنات «أمينة»، ونقلن الحالة الأسرية التي يعشنها وترابطهن مع والدتهن المظلومة تجاه ضرتها المتجبرة بأداء تمثيلي منطلق بلا قيود، وأكمل عقد هذا التميز فاطمة عبدالرحيم والتي جسدت دور «ملاك» زوجة جراح (خالد أمين)، فقد كان أداؤها متزنا ويعكس دراستها للشخصية.

وعندما يأتي ذكر خالد أمين فنحن نعرف أننا نتحدث عن فنان مقنع ومتجدد في كل مرة، وفي تجسيده لشخصية «جراح» فسر لنا بحركاته التمثيلية وتعابير وجهه كل الحالات النفسية التي يمر بها، وعلى نفس المنوال قدم أحمد إيراج بحرفية وخبرة دور «محمد» زوج «ندى» البخيل، وظهر مشاري البلام في شخصية «سالم» بشكل مختلف عن السابق وكان اداؤه جميلا.

وشارك في المسلسل عدد من الفنانين الشباب منهم: فرح الهادي في دور (هبة) ونواف العلي في دور (عيسى) وزمن عبدالله في دور (دانة) وعقيل رئيس (أحمد) وناصر الدوسري (سليمان) وفهد الصالح (صالح) وكفاح الرجيب (ريم) ورندا حجاج (حور) وعباس خليفي (د.مشعل) وروان العلي (بدرية) وغدير زايد (وفاء) وغيرهم وجميعهم أجادوا في تقديم شخصياتهم.

البناء الدرامي

مناف عبدال كمخرج لديه قدرة على اقتناص كل شيء بدقة ليوظفه في مكانه، وفي «عافك الخاطر» اعتمد على عدة أمور للهروب من فخ التطويل والتكرار أو تسريب الملل الى المشاهد، منها قراءة أبعاد النص بعناية فتلاقت رؤيته الإخراجية مع رسالة المؤلف، فظهرت الحبكة الدرامية جريئة مليئة بالتشويق، كما استفاد مناف من كل إمكانات النجوم المشاركين معه في العمل، فكانت مباراة في الأداء التمثيلي وتنوعت الوجوه بين الغيرة والغضب والانكسار والفرح وغيرها من المشاعر الإنسانية.

وربما كانت النهاية هي أضعف حلقة في المسلسل، فقد كانت تقليدية، وانتهت القصة كما هو متوقع لها من دون أي مفاجآت، حيث عوقبت «باسمة» بوفاة ابنتها «دانة» فعادت ذليلة منكسرة لتعتذر لـ «أمينة» عما فعلته معها، وعاد «مبارك» إلى زوجته الأولى، وتجمعت «أمينة» مع بناتها وأحفادها جميعهم في بيت واحد يعيشون في سعادة ومحبة.

المصدر: الأنباء الكويتية

إغلاق
إغلاق