تحقيقات وتقارير
اطباء التخدير في الكويت .. بين الحقائق الغائبة والمخاطر المهنية

(كونا) — طبيب التخدير ذلك الجندي المجهول الذي يقف وراء نجاح أي عملية جراحية والمسؤول عن توازن عمل اعضاء الجسم كافة غير ان غالبية العامة تحمل صورة مغايرة عن طبيعة عمله رغم دوره المحوري في العمليات الجراحية وتأثيره الكبير في نجاحها وتخفيف الآلام عن المريض.
طالما ينسب نجاح العمليات الجراحية الى الطبيب الجراح الذي يقوم بإجرائها دون الاشارة الى جهود طبيب التخدير الا عند وقوع خطأ طبي رغم ان كل الاحصاءات المحلية والعالمية تؤكد ان نسبة الاخطاء الناجمة عن التخدير قليلة جدا قياسا للتخصصات الاخرى.
وكما يرى المختصون فان هناك حقائق غائبة ومعلومات مغلوطة حول طبيعة عمل طبيب التخدير يتوجب ايضاحها وابراز جهود هذه الشخصية المجهولة والغائبة اعلاميا بهدف تعزيز الوعي الطبي في المجتمع لاسما وان هناك عددا من ابناء الكويت تخصصوا في هذا المجال وتميزوا بمهنية عالية وحققوا نجاحات كبيرة.
وفي هذا الاطار يرى رئيس قسم التخدير والعناية المركزة وعلاج الالام في مستشفى الرازي الدكتور حسين المجادي في لقاء ان تلك الصورة النمطية لطبيب التخدير في اذهان العامة تعود الى وجود قصور في الثقافة الصحية بسبب ضعف جهود التوعية وعدم تسليط الضوء الاعلامي على مهام هذا الطبيب.
واكد ان التخدير من التخصصات الدقيقة التي تتطلب تركيزا عاليا كما ان طبيب التخدير يفضل العمل خلف الكواليس مشيرا الى ان قلة المردود المالي في القطاع الخاص احد اسباب قلة وجود اطباء تخدير بالعالم بصفة عامة والكويت بصفة خاصة.
واشاد الدكتور المجادي بجهود وزارة الصحة في اجتذاب الشباب الكويتي بتمييزها لهذا التخصص تحت بند التخصصات النادرة وبدور مركز الاختصاصات الطبية عبر برامجه التدريبية في هذا المجال التي ساهمت في تخريج دفعات من الشباب والشابات في السنوات الاخيرة لسد هذا الفراغ.
واكد ان التطور الملحوظ في تخصص التخدير والعناية المركزة وعلاج الالم في دولة الكويت يعود للقائمين عليه بالاخص الدكتور عبدالرحيم القطان والدكتور محمد الخشتي وهما من اوائل المؤسسين لهذا التخصص بدعم كبير ومساندة من وزارة الصحة.
واوضح الدكتور المجادي انه يتوجب على طالب علم التخدير دراسة ثلاثة علوم وهي التخدير والعناية المركزة وعلاج الالام وكل علم مستقل بحد ذاته وله التخصص والعمل في المجالات الثلاثة او اختيار احداها مشيرا الى ان طبيب التخدير هوالمسؤول عن تهيئة المريض الى حالة عدم الاحساس بالألم خلال العملية الجراحية عبر ثلاثة انواع من التخدير اما موضعي او نصفي او عام.
وعن العناية المركزية قال الدكتور المجادي انها عملية تتولى مسؤولية العناية بالمريض منذ دخوله اليها الى حين خروجه منها وعلاج الالام وهو علم جديد نسبيا يتخصص بعلاج الالم بنوعيه الحاد و المزمن.
وحول ما يقدمه قسم التخدير والعناية المركزة وعلاج الالام في مستشفى الرازي للمرضى من خدمات قال الدكتور المجادي “قمنا بتوسعة عدد الاسرة من ستة الى 16 سريرا مؤخرا ما يعني توفر سرير لكل الحالات وجعل فكرة الغاء العملية او تأجيلها لعدم وجود سرير امرا من الماضي”.
ونوه بانه تم تطوير بروتوكول لدخول المرضى ذو التاريخ الطبي المعقد في مستشفى الرازي الى العناية المركزة قبل اجراء العملية بيومين او ثلاثة حتى يتنسى للمريض التعود على الاجواء والخضوع تحت الملاحظة لتحسين وضعه قبل دخول العملية لتقليل نسبة المضاعفات.
واضاف انه تم تشكيل فريق لعلاج الآلام الحادة مكون من طبيب تخدير وفني تخدير وممرضة لمعاينة المريض على الاقل ثلاث مرات يوميا لمدة خمسة ايام بعد العملية اضافة الى تطوير عمليات اليوم الواحد في القسم بحيث يدخل المريض لإجراء العملية ويخرج نفس اليوم وهو حدث مهم يخفف الاعباء عن المريض والمستشفى.
وحول عملية تجهيز المريض ومصطلح عيادة ما قبل العملية قال الدكتور المجادي ان هناك من يعتقد ان دور طبيب التخدير فقط في بداية العملية وهذا غير صحيح “فدوره يبدأ من معاينة المريض بعيادة التخدير قبل اجراء العملية بأيام او أسابيع لتجهيز المريض من خلال التعرف على تاريخه الطبي واجراء الفحوصات ومن ثم بلورة خطة كاملة لتخديره وشرحها كاملا له واخذ موافقته عليها فطبيب التخدير يكون متواجد مع المريض قبل اجراء العملية وخلالها ووبعدها في غرفة الافاقة”.
وقال ان الكثير من المرضى لديهم اعتقاد خاطىء بان التخدير النصفي هو نصف التخدير العام واقل ضررا وهذا مغاير للحقيقة موضحا كل نوع من التخدير يتناسب مع نوع العملية والتاريخ الطبي للمريض وليس هناك افضلية لنوع على آخر في جميع الحالات ومسؤولية الطبيب شرح نوع التخدير للمريض واسباب اختياره.
واضاف ان نسبة الوفيات بسبب التخدير اصبحت جدا قليلة وقد تكون نادرة وذلك بسبب تطور علم التخدير ووجود كفاءات بالكويت متخصصة بهذا العلم وكذلك بسبب حرص وزارة الصحة على توفيرها لكل ما نحتاجه من احدث الاجهزة والادوية لتقليل نسبة المضاعفات التي عادة تكون مصاحبه لمرضى ذو تاريخ طبي معقد. وعن المضاعفات المتمثلة احيانا بالجرعة الزائدة قال الدكتور المجادي ان “هذه ملاحظة خاطئة نسمع بها احيانا من بعض المرضى فالحقيقة ان كل مريض يأخذ الجرعة المناسبة له دون زيادة او نقصان حسب معادلة طبية دقيقة”.
وبين ان “الصعوبات التي تواجه طبيب التخدير في تحضير المرضى عادة تكون نتيجة عدم الالتزام المريض بالتعليمات كالتوقف عن التدخين وتقليل الوزن والصوم الكامل لمدة ثماني ساعات قبل العملية وعدم المصارحة وهذا قد يسبب مضاعفات نحاول تجنبها”.
غير انه اوضح ان التطور الملحوظ في الكويت جعل عدم القدرة على تخدير المريض الذي يعاني من امراض مزمنة شيء من الماضي طالما المريض يحتاج الى اجراء عملية حسب تقدير الجراح مشيرا الى ان هذا التطور اوقف ارسال المرضى الى الخارج بسبب عدم امكانية التخدير وتم رفع هذا السبب من مناقشته في اللجان الطبية المختصة بالعلاج في الخارج.
من جانبه اكد الدكتور عبدالرزاق العبيد استشاري جراحة العمود الفقري اهمية دور طبيب التخدير في اجراء العمليات الجراحية وقال لا يستطيع أي طبيب جراح ان يقوم بعملية جراحية واحدة الا بوجود طبيب تخدير و فريق طبي متكامل. وقال الدكتور العبيد ان العمليات الجراحية تتكون من شقين احدهما التخدير والآخر العملية الجراحية نفسها مؤكدا على الدور الدقيق والرئيسي الذي يقوم به طبيب التخدير.
وشدد على ان نجاح العمليات الجراحية يعتمد بشكل كبير على دقة طبيب التخدير وذلك بكيفية تخدير المريض ومراقبة وظائفه الحيوية اثناء العملية ” ونحن كاطباء جراحين لانحتاج لأطباء التخدير في العمليات الصعبة والدقيقة فقط بل نحتاج لمهارتهم حتى في العمليات التي تحتاج لتخدير جزئي” مشيرا الى دورهم المحوري في نجاح أي عملية.
وعن امكانية حدوث اخطاء طبية قال الدكتور العبيد ” لا بد ان نفرق بين الاخطاء الطبية والمضاعفات التي تحصل في أي مجال ومتعارف عليها دوليا ولاتعتبر من الاخطاء فهي مقبولة وتشرح للمريض اما الاخطاء الطبية فهي قصور في علاج المريض حسب الاعراف الدولية والاساسيات الطبية وهي نادرة الحدوث وان حدثت فالمسؤولية تقع على الدكتور المعالج سواء الجراح او طبيب التخدير وكل يتحمل تبعات عمله فالعملية الجراحية هي نتاج عمل فريق طبي متكامل و كل يتحمل مسؤوليته حسب موقعه”.
وبدوره قال الاستاذ المساعد في التخدير و العناية المركزة بجامعة الكويت الدكتور ياسر ابوالحسن ان علم التخدير من العلوم الطبية النادرة التي يتمكن منها الطبيب المعالج معرفة النتائج المباشرة للعلاج مشيرا الى التطور الكبير الذي شهده العلم خلال السنوات الاخيرة في مجال اساليب التخدير العصبي وعلاقة التخدير بالسرطان وتأثيره على الذاكرة والوعي وعلاقته بمجرى التنفس.
وشدد الدكتور ابوالحسن على ضرورة استقطاب الاطباء الشباب لهذا التخصص وتوفير المزيد من الحوافز ووضع استراتيجيات ناجحة من خلال زيادة الوعي بمجال التخدير ومتغيراته في الكويت والنظر في الحلول العلمية على مستوى كليات الطب والتخصص والتدريب وبيئة العمل.