مقالات وكتاب

جبر الخواطر

بقلم: د. عصام عبداللطيف الفليج 

اتصل الشيخ محمد الشعراوي رحمه الله على الدكتور حُسام موافي(أحد أشهر أطباء الباطنية في مصر والوطن العربي)، ليحجز عنده موعدا لمراجعة العيادة، فأبى الدكتور حُسام إلا أن يذهب إليه في بيته. وبعدما فحص عليه واطمأن على صحته؛
سأله د. حُسام: ايه يا مولانا أفضل عبادة أعملها تقربني من ربنا سُبحانه وتعالى، خصوصًا إني في أواخر عُمري؟
قال الشيخ الشعراوي: أفضل عبادة هي “جبر الخاطر”.
د.حُسام: ازاي يا شيخ؟
الشيخ الشعراوي: هل هناك أسوأ من الذي يكذب بالدين؟ ربنا بيقول: (أرأيت الذي يُكذب بالدين)، شايف اللي بيكذب بالدين بيعمل ايه:
1- (فذلك الذي يدُع اليتيم) يعني بيكسر خاطر اليتيم.
2- (ولا يحُض على طعام المسكين) يعني بيطرد المساكين ولا يكلمهم ولا يطعمهم، ولا يجبر خاطرهم.
3- (فويل للمصلين) وهنا تحذير لتارك الصلاة.
واستطرد الشيخ الشعراوي: لو لاحظت الترتيب؛ فأول أمرين ذكرهما ربنا هما التوحيد وجبر الخاطر، ثم الصلاة.
وانتهى الكشف، وانتهت الزيارة.
ذهب د.حُسام في اليوم التالي كعادته في يوم إجازته لشراء احتياجات البيت، فتذكر مكالمة هاتفية من جاره: جبر خاطر يا دكتور.. ابقى عدي علي حماتي راقدة في المستشفى مريضة اطمن عليها وطمنها، الله يجبر بخاطرك. وتذكر نصيحة الشيخ الشعراوي “اجبر خاطر”، قال: فشعرت انها رسالة من ربنا، فقررت أعدي عليها أجبر خاطر جاري. وذهبت وزرت حماته في المستشفى، وفجأة جالي ألم شديد في صدري، وعرفت إنها جلطة في شريان القلب، فطلبت الطبيب المختص، وأخذت منه الدواء سريعا، وخلال دقيقتين ذهب الألم.
بدأت أتفكر.. هذه الجلطة لو أصابتني وأنا بعيد عن المستشفى، وبمعنى آخر.. لو ذهبت وطنشت جاري، كنت مت فورًا، لأن أقوى إنسان في الدُنيا لو أصيب بجلطة في الشريان التاجي سيموت لو لم يأخذ علاجا سريعا، وكأن ربنا يقول لي: جبرت بخاطر جارك، وأنا جبرت بخاطرك وأنقذت حياتك.
“جبر الخواطر” باب خير إلى رضا الله عز وجل، وقد قيل: “من سار بين الناس جابرا للخواطر، أدركه الله في جوف المخاطر”، فقد تاب الله عز وجل على الامام مالك بن دينار وهداه لأنه اشترى حلاوة لبنتين أيتام وجبر خواطرهم. انتهى.
كانت هذه ملخص حكاية ذكرها د.حُسام بالتفصيل في أكثر من مناسبة، ولعله من المناسب تذكرها في هذه الأيام المباركة، فما أجمل أن تزرع البسمة على شفاه الآخرين، وما أروع أن تسمع الدعاء ممن ساعدته وجبرت خاطره، واستشعرت ذلك عندما كنا نذهب لتوزيع المساعدات الإغاثية، هذه المساعدات لم تنقص من أموال المتبرعين شيئا، ولم تغن اللاجئين أو المنكوبين، لكنها كانت تمثل “جبر خاطر” لهم، خصوصا وأننا لا نعرفهم ولا يعرفوننا، وأحيانا لا نعرف لغتهم ولا دينهم.
فكم هو جميل أن نحرص على جبر خواطر الآخرين، ولنبدأ بأقرب الناس.. الوالدين والإخوان والأخوات، والزوجات والأبناء والأحفاد، ونتوسع نحو الأرحام والجيران، ولنحرص على الأيتام والمساكين والأرامل، ففيهم الجبر المعنوي قبل المادي، وارحموا عزيز قوم ذل، واجبروا بخاطره ولا تنتقدوه كعادة كثير من الناس.
ولجبر الخاطر وسائل عديدة، لعلها تبدأ بالابتسامة.. الأسهل والأسرع فعالية، ثم الكلمة الطيبة، واللمسة الحانية، والقبلة على الرأس، والمسح على الرأس، ومساعدة الناس في شؤون حياتهم، والاستماع لهم، وتلبية احتياجاتهم، وعيادة المريض، وصلة الرحم، وكل ذلك ببلاش.
وتكون الخطوة التالية بالبذل المالي، من شراء الهدايا، وتقديم الأعطيات، وإغاثة الملهوف، ومساعدة المنكوب، وبالذات المدينين المعسرين، وغير ذلك.
بادروا بجبر الخواطر، جبر الله خواطركم.
وعساكم من عواده.

الوسوم
إغلاق
إغلاق