مقالات وكتاب
خلافات الفنانين.. ووفاة قائد الابتسامة
بقلم: د.عصام عبداللطيف الفليج
فوجيء الكثير من الناس بحدة الاختلاف بين فناني الجيل الثاني والثالث، وبشكل غير صحي، لدرجة التهكم والسخرية وكيل التهم والتطاول، وأخيرا.. رفع القضايا!
فبعد علاقات فنية مميزة بين الفنانين طارق العلي وهيا الشعيبي، يفاجأ المتابعون لهم بوجود اختلاف بينهم انتهى بالقطيعة، بعد أن أثنى بعضهم على بعض سنوات طويلة، وأخذ كل منهم يتهم الآخر عبر وسائل الإعلام بما لا يليق، وكأنه ليس بينهم عيش وملح، وتنتقل الخلافات إلى قضايا في المحاكم. فما الذي جرى يا ترى؟!
وظهر على السطح خلاف آخر شكل مفاجأة على الساحة الفنية، بين الفنانين ناصر القصبي وعبدالله السدحان، بعد علاقة عمل مشترك قرابة ربع قرن، ملؤها المحبة والمودة والتفاهم، لدرجة أنهم فتحوا مؤسسة انتاج فني مشتركة، وكم أثنى بعضهم على بعض سنوات طويلة، ثم يفاجأ المحبون لهم باختلاف بينهم انتهى بالقطيعة، وكل يتهم الآخر عبر وسائل الإعلام بشكل غريب، وكأنه ليس بينهم علاقة طويلة. فما الذي جرى يا ترى؟!
لقد اختفت القيم التي كان يعمل من خلالها الفنانون القدامى، بعيدا عن المصالح الشخصية والمكاسب المالية، قيم العطاء والإخلاص وارتقاء الفن.
وأستذكر هنا الخلاف القديم بين الفنانين الكبار من الجيل الأول، عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج، الذين استمرا في العمل سويا سنوات طويلة عبر مسرحيات ومسلسلات عديدة، وأطلق عليهما دوما لقب “الثنائي”، وأذكر أنه أجرت بعض وسائل الإعلام لقاءات معهما عن سبب هذه القطيعة، فكانت إجابتهما المشتركة “لكل بداية نهاية”، وأن “هذه سنة الحياة”، ولم يذكر أحدهما الآخر بسوء أبدا، بل شددا على استمرار علاقتهما الأخوية، وهذه فعلا أخلاق راقية، مما جعل عودة العمل بينهما قائمة، وبالفعل.. هذه الروح الطيبة أعادتهما للعمل في أعمال فنية أخرى لاحقة. كيف لا وهما قامة من قامات الفن في العالم العربي.
وبالمقابل.. فما جرى من تصعيد للخلاف بين الفنانين ناصر القصبي وعبدالله السدحان، والفنانين طارق العلي وهيا الشعيبي، سيبقى في النفوس عالقا، وسيكون من الصعوبة بمكان أن تعود العلاقة بينهما، فنيا وأخويا ما لم يكن هناك تفاهم وتنازل، خصوصا وأن هناك قضايا بينهم، فشتان بين التصرفان.
استذكرت ذلك مع وفاة الفنان عبدالحسين عبدالرضا رحمه الله الذي وصفه الجميع بالالتزام الفني، والتواضع مع الآخرين، وكانت آخر لمساته الفنية مع صديق عمره الفنان سعد الفرج في افتتاح مركز جابر الأحمد الثقافي، والتي قال فيها جملتان مهمتان ما زالتا عالقتان في ذهني:
الأولى: عندما قال بعد فشل مشاريعه السابقة (لحم الكلاب والأحذية): إن مشروعي القادم “إنساني”، إلى متى ونحن نعمل لجمع الفلوس، ولا بد أن نقدم شيئا لهذه الديرة، وليس فقط نأخذ منها.
الثانية: بعدما سأله سعد الفرج عند الفراق: ومتى نلتقي؟ فرد عليه: “نلتقي في الجنة”. وهذه كلمة يقين برحمة الله عز وجل.
قد نختلف مع الفنان عبدالحسين عبدالرضا رحمه الله ونتفق معه، فهذه سنة الحياة.. الاختلاف والتدافع، ولكننا نتفق أنه أدخل البسمة على ملايين البشر لأكثر من خمسين سنة، ليستحق لقب “قائد الابتسامة”. كما كانت له انتقادات وتوجيهات تربوية واجتماعية كثيرة، خصوصا للشباب، وبالمقابل له تجاوزات كثيرة، لكنني أعتقد أن الإيجابي أكثر من السلبي.
نعم.. إنها سنة الحياة، فقد سبقه إخوانه غانم الصالح وخالد النفيسي وعلي المفيدي وعبدالعزيز النمش.. وآخرين، رحمهم الله، وليكن من ارتقائهم في التعامل عبرة لباقي الفنانين، وليكن لهم الموت خير واعظ، ورحم الله كل من قدم لهذا الوطن وللأمة الإسلامية وللإنسانية.