أخبارتكنولوجيا

تأثير الذكاء الاصطناعي.. نقلة نوعية أم تهديد مستتر؟

محمد الجدعى

في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا وتتطور بوتيرة لم يسبق لها مثيل، تقف أنظمة الذكاء الاصطناعي في طليعة هذه التطورات، حيث يعتبرها البعض أنها «مشكلة خارج السياق OCP – Outside Context Problem، وهي تلك القوة الخفية التي تظهر فجأة، كما تظهر النقطة في نهاية الفقرة». في لحظة تتحول فيها الحضارات من حال إلى حال. وقد أشار إليها الكاتب الكبير إيان بانكس في كتابه Excession «الإفراط»، جزء من The Culture Series «سلسلة الثقافات». وكما اشار اليها ايضاً مراراً وتكراراً إيلون ماسك، خصوصاً في لقاء جمعه مع ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا قبل حوالي ستة اشهر، ويمكن مشاهدته على اليوتيوب.
إنه عصر الذكاء الاصطناعي، ذلك الطفل الذي ولد من رحم العلم، وحضنته أيدي الطموح البشري. لكن، أتُرى هذا الوليد سيكون نورًا يهدي البشرية إلى آفاق جديدة، أم سيغدو ظلامًا يطمس معالم إنسانيتنا؟

إن تأثير الذكاء الاصطناعي على الحكومات كبير ومعقد. فمن جهة، يمكنه تحسين كفاءة الخدمات العامة، وتعزيز الأمن والصحة والتعليم، بطرق لم تكن ممكنة من قبل. ولكن من جهة أخرى، قد يثير مخاوف كبيرة حول الخصوصية وأمن البيانات الشخصية، وكما وصفها الخبير الدولي في أمن المعلومات، بروس شناير، «البيانات هي النفط الجديد، من يسيطر عليها سيطر على العالم»، إذ كيف يمكن للحكومات أن توازن بين الفوائد والمخاطر، وتضمن عدم استغلال هذه التقنيات بشكل مضر؟

أما قطاع الأعمال، فهو المستفيد الأكبر من هذه التقنيات، حيث تساهم في رفع الكفاءة وتقليل التكاليف وزيادة الأرباح من خلال التحليلات الذكية والتنبؤات الدقيقة. ولكن، مع هذه الفوائد تأتي تحديات فقدان الوظائف. وهنا، يبرز السؤال: كيف يمكن للشركات تحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي والحفاظ على القوى العاملة لديها وبشكل عادل؟

وفيما يتعلق بالمجتمعات، فإن الذكاء الاصطناعي يحمل في طياته وعودًا بتحسين جودة الحياة في مجالات، مثل الصحة والتعليم والنقل. لكن يظل القلق قائمًا حول التأثيرات الاجتماعية والأخلاقية لهذه التقنيات، هل ستؤثر هذه الأنظمة على العلاقات الإنسانية؟ وما هي تداعيات جمع البيانات المستمر على الخصوصية؟

إن المخاوف المستقبلية حول الذكاء الاصطناعي عديدة ومعقدة. لذا هناك قلق من أن تسيطر قلة من الشركات على هذه التكنولوجيا، مما يجعلها أكثر قوة من الحكومات. بالإضافة إلى ذلك، تثير أنظمة الذكاء الاصطناعي الذاتية التعلم مخاوف من تصرفات غير متوقعة قد تشكل تهديدًا للبشرية بوجه عام!

الخبير الفيزيائي، ستيفن هوكينغ، حذر قائلًا: «تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يعني نهاية الجنس البشري». فهل بالغ في هذه المخاوف؟ ربما.

يجب على الحكومات والشركات والمجتمعات العمل معًا، لفهم وإدارة تأثيرات الذكاء الاصطناعي، إنه عصر جديد مليء بالفرص والتحديات، ويتطلب منا الحكمة والوعي للاستفادة من هذه التكنولوجيا بأفضل الطرق الممكنة، مع تقليل مخاطرها وضمان مستقبل آمن ومستدام للجميع.

وختاماً، فإن الذكاء الاصطناعي آتٍ كالنهر العظيم، في تياره قوة هائلة، قد تروي الصحراء أو تغرق القرى. وكما ابتكر الأولون الأشرعة والسدود ليسخروا قوة الرياح والأنهار، علينا اليوم أن نبتكر «أشرعة» فكرية و«سدوداً» أخلاقية لنوجه هذا النهر نحو خير البشرية.

المصدر : القبس

إغلاق
إغلاق