مقالات وكتاب
متى يعيد الدعاة صياغة أفكارهم؟

بقلم: د. عصام عبداللطيف الفليج
يتصدر بعض الدعاة الجمعيات والمراكز الإسلامية، فيخلط بين دوره كداعية وإمام وواعظ، ووظيفته كمسؤول لذات المركز، ويتحجج بذلك كونه أحد مؤسسي المركز، وحرقته على العمل الدعوي، وحرصه على المركز ..الخ، فيتعامل بمركزية وديكتاتورية، وهو الآمر الناهي.
قد يكون عالما متمكنا، لكنه قد لا يمتلك المؤهلات الكافية لأن يكون مديرا أو قائدا، ويتناسى التخصص وتجدد الأجيال والأفكار والثقافات.
وقد اطلعت على تجارب عديدة خلال زياراتي للمراكز الإسلامية في مختلف دول العالم، ولاحظت أن الغالب تتمركز فيهم هذه الطبيعة، ولعل أبرز الأسباب قلة المبادرين لإدارة العمل الدعوي المتعب المضن بطبيعته، وعدم تحمل المسؤولية، ووجدت أيضا تجارب ناجحة تستحق المتابعة.
أذكر أنني زرت قبل عشر سنوات تقريبا أحد أكبر المراكز الإسلامية في أستراليا، ورتبوا لي 3 لقاءات؛ اللقاء الأول كان مع إمام المسجد، وهو مسؤول عن إدارة المسجد والأنشطة الدينية والأحوال الشخصية والفتاوى.
واللقاء الثاني مع مسؤول البرامج الشبابية والاجتماعية والخدمات العامة، واللقاء الثالث مع رئيس المركز.. المسؤول الأول عن الاستراتيجيات والإيرادات.
باختصار.. كانت الجالية المسلمة تعتمد على التبرعات في صيانة المسجد وإقامة الأنشطة، فتناقصت الإيرادات حتى وصل المسجد إلى حال يرثى له، وقلت الأنشطة، وكان المشايخ والرعيل الأول يقومون بأنفسهم بكل شيء، دون الاستعانة بأحد، ظنا منهم أن الآخرين أقل حرصا منهم، فجاءت فكرة إدخال جيل في الأربعينات من العمر (لا هم شباب متهورين، ولا شيوخ متثاقلين)، واختاروهم من فئة التجار، وجعلوا المناصب الرئيسة كلها لهم، وبقي الدعاة في مجال الخبرة والاستشارة، وخلال سنة واحدة تم تجديد ديكورات وسجاد المسجد بالكامل، ووفروا رواتب للمشايخ للتفرغ للعمل الدعوي بدوام كامل، واشتروا سيارة خاصة لنقل الموتى.
وفي السنة الثانية اشتروا الأرض المجاورة للمسجد، وبنوها عدة طوابق، فيها طابق للأنشطة الرياضية (بوكسينغ وغيرها) باشتراكات مخفضة (دخل)، وطابق قاعات تحفيظ القرآن الكريم والتعليم وورش تدريب، تستخدم لأنشطة المركز وللتأجير (دخل)، وطابق قاعة كبيرة متعددة الأغراض (مؤتمرات، أعراس..) بالتأجير (دخل)، ومطعم VIP يخدم القاعة والولائم (دخل)، وكل ذلك وفر ميزانية مريحة للمركز الإسلامي بشكل عام.
رئيس مجلس إدارة ذلك المركز الإسلامي ونائبه والأمين المالي ليسوا متدينين، وبالكاد مصلين، لكنهم استثمروا خبراتهم وعلاقاتهم التجارية والبلدية في تطوير خدمات المركز وإيراداته. كل ذلك تم لأن الدعاة المسؤولين سابقا فصلوا العمل الدعوي عن العمل الإداري والاستثماري، واعتمدوا على أهل الاختصاص، وبقوا في مجلس الإدارة يشاركون بالتخطيط والاشراف في اختصاصاتهم، ولهم الأغلبية لضبط أي انحراف عن المقاصد الشرعية.
ووجدت في مكان آخر دعاة تفرغوا للعمل التربوي، وأنشأوا معاهد تدريبية للمعلمين الذين يدرسون المسلمين في تلك البلاد.
ووجدت أجيالا شبابية تدير مراكز رياضية وترفيهية للحفاظ على من هم في أعمارهم من المسلمين من الزلل والانحراف.
نعم.. الأجيال تتغير، والأفكار تتطور، فلا بد من إعطاء الفرصة للجميع للمشاركة في هذه المرحلة وعدم احتكار العمل.. إدارة وخبرة وتوجيها، في بلاد المسلمين وغيرها، فقد ذهب عصر الأوراق المطبوعة والأفكار المنسوخة، وخطابنا وخطابكم، وجاء عصر وسائل التواصل الاجتماعي والتميز، وانتهى زمن التوحد الفكري، وجاء زمن العمل الجماعي، والاستفادة من سعة الشريعة وآفاقها الرحبة، فيا ترى.. متى يعيد الدعاة صياغة أفكارهم؟