مقالات وكتاب
الضمانات العشر لإيجاد البيئة الملائمة للعمل الوقفي الناجح
وقفة الاثنين مع الوقف :
الخواطر الأسبوعية
في الإدارة الرسالية
للمؤسسات الوقفية
الضمانات العشر لإيجاد البيئة الملائمة للعمل الوقفي الناجح :
الشفافية والوضوح في إدارة المؤسسة الوقفية :
العمل الناجح هو ذلك الذي تتوفر له البيئة المناسبة للنجاح، وتتنوع فيه العناصر المكوّنة لهذه البيئة، ما بين الرسالة السامية النافعة، والهدف المحدد الواضح، والثروة البشرية التي تتكفل بالقيام بالأنشطة اللازمة لتحقيق الرسالة والأهداف، فضلًا عمّا قد يُحتاج إليه من موارد ومتطلبات، تختلف باختلاف طبيعة العمل الإداري ونوع المؤسسة. ولكنّ هذا جميعَه لا يغني عن مجموعة مهمة من التدابير والإجراءات والقيم الإدارية، التي تجسّد ضماناتٍ لنجاح العمل، لا يستغنَى عنها مهما كانت العناصر الأخرى التي أشرنا إليها موجودة، وذلك لأنها جزء لا يتجزأ من بيئة العمل الناجح أيضًا، بل هي بصورة ما : بيئة فوقية لذلك العمل، تضمن نجاحه في تحقيق أهدافه، وتضمن استمراره، وتضمن تقوية وتعديل مساره إن حصل خطأ في إدارته. وجميع ذلك يدخل في مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه» (أخرجه أبو يعلى في مسنده (4386)، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع (1880)، وفي السلسلة الصحيحة (1113)).
وهو داخل في الحث على الاحتياط وأخذ الحذر، الذي أمر الله سبحانه به في القرآن الكريم بشأن الجهاد الذي هو أشرف الأعمال، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: 71].
ومن هذا المنطلق؛ أذكر في هذه العشرية ما أطلق عليه: الضمانات العشر للعمل الوقفي الناجح، وهي تلك النقاط التي كنت أتبنّاها وأتمثّلها خلال العمل فترة توليتي مسؤولية الأمانة العامة للأوقاف في دولة الكويت . وهذا لا يعني أن تلك الضمانات هي وحدها الضمانات الكافية لإنجاح العمل الإداري عمومًا والوقفي خصوصًا، فالضمانات التي تتكفل بإيجاد البيئة المناسبة أكثر من عشرة، ولكنني أذكر أوضحها عندي، وما كنت أهتم به خصوصًا، بحيث يمثّل رؤيتي الإدارية في المجال الوقفي ، فضلاً عن الالتزام بالملاءمة التي التزمتها في منهجية تأليف هذا الكتاب وهي التوقف عن عشرة عناصر في كل عنوان من باب الاكتفاء وعدم الإسهاب .
ولا شكّ أنه لابد من البدء بالشفافية والوضوح في إدارة المؤسسة كأحد أهم ضمانات النجاح في إدارة العمل المؤسسي. فالشفافية والوضوح والمصداقية تعمل على إيجاد البيئة الملائمة للعمل الوقفي الناجح.
ولمزيد من تعميق هذا المفهوم؛ فإنه يمكننا قراءة الوضوح والشفافية في العمل الإداري من عدَّة جوانب: منها الشفافية والمصداقية في التعامل الإداري مع الموظفين والمرؤوسين، فإن هذا كفيل باكتساب ثقتهم في الإدارة، والمؤسسة ككلّ، ولا ريب أن هذا يرجع على الأداء المؤسسي بالفعالية والنجاح. والأمر نفسه يقال فيما يتعلق بعموم المتعاملين مع الأمانة العامة للأوقاف، والمستفيدين منها.
ومن الجوانب بالغة الأهمية يما يتعلق بمعيار الشفافية والوضوح فيما يتعلق بالموظفين والمرؤوسين: عدم المجاملة والمحسوبية والشللية، فينبغي أن يكون المقياس الوظيفي منطبقًا على الجميع، بلا وكس ولا شطط.
ومن هذه الجوانب: الشفافية التي تعني الموضوعية والوضوح في إبداء الهدف المطلوب من العمل، وكذلك في بيان الإجراء والعمل المطلوب من الغير القيام به، فإن الغموض في الأهداف، أو الإجراءات: يرجع بالسلب على مدى الجودة والإتقان في العمل. فيجب أن تكون الإدارة واضحة في هدفها الذي تطلب إنجازه، حتى تستطيع التخطيط السليم له، وكذلك يجب أن تكون واضحة في طلباتها كمهام من الموظفين، حتى تتحمل المسؤولية المشتركة معهم في تحقق الأهداف من عدمها، ولا تلقي العبء على الموظفين من خلال طلب إجراءات مبهمة أو لا تتسم بالوضوح الكافي، فإن هذا النوع من الإدارة مشوب – في تقديري – باللاأخلاقية إلى حدٍّ ما، وفيه نوع من التنصُّل من المسؤولية التي تقع بصورة رئيسية على الإدارة المؤسسية قبل أن تقع على كاهل الموظف أو المشرف.
وكذلك من الجوانب المهمة للوضوح والشفافية في الإدارة: الشفافية في الاعتراف بالملاحظات والسلبيات والأخطاء إن وُجدت، والاعتراف بالحقيقة وإن كانت مُرَّة، وإبرازها والوقوف عندها، وعدم الاستنكاف من ذلك أو التستر عليه، فإن الرجوع إلى الحق فضيلة، والرجوع عن الباطل خيرٌ من التمادي فيه، ومن ثَمَّ العمل على تقويم الأخطاء وإصلاحها، وبشفافية أيضًا، ولو كانت قرارات إدارية غير موفقة، أو مبنية على معطيات غير سليمة.
ومن جوانب الشفافية المقصودة في ذلك المقام أيضًا: المصداقية مع الموقفين، إن كانوا أحياء، ومع ذرية الموقفين، ببيان كيفية إدارة الوقف ومصارفه، بكل وضوح وأمانة وصدق، والعودة عليهم بالنصيحة الأمينة، وبيان الصعوبات والمشكلات إن وُجدت، والمصارحة بما قد يضر الوقف أو مصلحته، ولو كان بسبب الموقف أو أقاربه أو ناظره، ونحو ذلك من شؤون تعرِض للوقف، فمن الملفات المتعلقة بهذا المعيار: قضية النظَّار المشتركين – وإن كان عددهم محدودًا – وهي الوقفيات التي فرض الموقف فيها نظّارًا معينين، من خلال النظارة لنفسه ثم الصالحين من بعده، أو من يعينهم من بعده بحيث يكونون شركاء مع الأمانة في النظارة على الوقف، فينبغي التعامل مع هؤلاء النظار بالموضوعية والشفافية فإن ذلك يورث الثقة في الأداء المؤسسي الإشرافي على الوقف. وبصورة عامة ينبغي أن يكون التعامل في تلك القضايا المتعلقة بالموقفين وذريتهم والنظّار المشتركين إن وُجدوا: مبنيًّا على الوضوح والمسئولية، مجافيًا للمداراة أو المجاملة، أو التستر على الأخطاء.
فتلك بعض أهم جوانب الشفافية، كمعيار حاكم، وضمانة أكيدة؛ لنجاح العمل المؤسسي الإداري عمومًا، وبخاصة تلك التي تتعلق بمجال الوقف، وإن كنتُ أشدِّد على لزوم أن تكون الشفافية والمصداقية والموضوعية والوضوح سمتًا عامًّا وخلقًا دائمًا في جميع مناحي الحياة، ما استطاع المرء إلى ذلك سبيلًا.
د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي
الأمين العام السابق للأمانة العامة للأوقاف
بدولة الكويت