مقالات وكتاب
الشورى والديمقراطية في إدارة الاجتماعات

وقفة الاثنين مع الوقف:
4/3/2019
الخواطر الأسبوعية
في الإدارة الرسالية
للمؤسسات الوقفية
السياسات المثلى العشر لإدارة العمل الوقفي :
الشورى والديمقراطية في إدارة الاجتماعات :
“الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام” ( تفسير ابن عطية، (1/534) ) .، ولا أدلّ على ذلك من اجتماع الآيات الشرعية والآيات الكونية على الحث عليها والإعلاء من شأنها، فقد قال الله تعالى مخاطبًا نبيَّه الكريم صلى الله عليه وسلم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } [آل عمران: 159]، ووصف المؤمنين بأحسن أوصافهم، فقال ضمن أوصافهم: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، ووصف نقيض ذلك في القوم الفاسقين، إذ {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 29]، فوصف حاله: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97]! وهذا ما تدلُّنا عليه الآيات الكونية من تدبُّر في التاريخ والواقع، فالأمم الناهضة والمتقدمة هي الأمم التي تُعمل الشورى وتفعِّلها في الحياة، فإن العقول الكثيرة أعظم اهتداءً من العقل الواحد ولو كان بصيرًا.
وإنّ إيماني العميق بأهمية الشورى وفضيلتها؛ أمر قديم، وراسخ لا يتزعزع، وقد حاولتُ جهدي أن أعمل بمقتضاها سواء على المستوى الشخصي والأسري، أم في حياتي العملية، في كافّة المهام والمسئوليات التي تقلّدتُها.
وقد انعكست تلك الصفة، وتجسَّد ذلك المبدأ بوضوح وبحمد الله وتوفيقه، خلال فترة تكليفي بالأمانة العامة للأوقاف، وبصفة خاصة في إدارة الاجتماعات. حيث إنني، ورغم كوني الأمين العام للأوقاف، ورئيس الاجتماعات؛ إلا أنني كنت أسمع للجميع، وأتقبل آراء الجميع، ولا أستخفُّ بأي رأي، ولو كان من بعض الآراء المتطرفة التي قد يطرح مثلها أحياناً ، فطرق تفكير الناس وطبائعهم مختلفة ومتباينة، فكنت أدير الاجتماعات بالشوري والتصويت، وفي العادةِ إذا وجدتُ الرأي العام في الجلسة يتجه مع اتجاه معين؛ فقد لا أحتاج إلى التصويت، وأُمضي القرارَ الذي فيه الجانب الجماعي، ولو كان خلاف رأيي الشخصي، مادام لذلك الرأي مبرراته وأسانيده، ويتفق مع المصلحة من وجهة نظر معتبرة، ولا يخالف الأنظمة واللوائح والقوانين. فكانت، ولله الحمد؛ اجتماعاتٍ أخويةً، ليس فيها فرضُ رأي، ولا استخدام قرارات فوقية.
وعلى الرغم من وجود صلاحيات كثيرة للأمين العام، والتي بإمكانه أن يستعملها داخل الاجتماعات وخارجه؛ إلا أن تجربتي أثبتت بالفعل صدق المَثَل: (ما خاب من استشار)، فالإنسان يستفيد من العمل الجماعي والاستشارات الجماعية، ويكتسب آراءً جديدةً، ووجهاتِ نظر ثرية، ومشاركات جادة، وبدون تكلّف للتواضُع: فقد كنت أستفيد حقًّا من رصيد التجارب الذي لدى الإخوة من الكادر الإداري معي في الأمانة العامة للأوقاف، فالكثير من المديرين أقدم مني في الإدارة باعتبار تعييني الجديد بالنسبة لهم، ومع ذلك فقد كنتُ أستطيع، ولله الحمد، في ضوء تفكيري وخبراتي والنمط العقلاني في الإدارة الذي كنت أنتهجُه: أن أحسم بعض الأمور إن كانت غير واضحة أو احتدم فيها الخلاف دون مرجِّحٍ واضح مِن قِبل أصحاب وجهات النظر المختلفة على الطاولة. ثم إن الشورى في الرأي والقرار هي في الوقت نفسِه نوعٌ من المشاركة في المسؤولية أيضًا بطبيعة الحال. كما أن الشورى تضفي جوًّا من الاحترام المتبادل والودّ، وذلك كله من ثمار الشورى والديمقراطية في إدارة الاجتماعات، فضلاً عن حماس الجميع لتطبيق القرارات والتوصيات مهما كانت مخالفة لآرائهم الأصلية التي طرحوها في الاجتماعات، لأنهم يعرفون تماماً أن آراءهم هذه كانت محل اعتبار واستماع ونقاش، ولكنها لم تقنع الأغلبية، وهذه فعلاً روح التفهم والتفاهم.
د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي
الأمين العام السابق للأمانة العامة للأوقاف
دولة الكويت