مقالات وكتاب

شركة…جيب شاي

بقلم: أوس الغنيم

لا أدعي إني مطلع على كل ما يثار في الساحة، إلا أني على يقين أن هناك الكثير من المقترحات والأفكار النيرة التي يأتي بها أفراد مطلعون ومتخصصون جديرة بالاهتمام. ولكن هناك حقيقة جلية وهي أن تلك الأفكار ليست عصى سحرية لحل المشكلات. لقد توقفت كثيرا عند بديهيات تطبيق الكثير من المقترحات التي تطرح حتى في أروقة أصحاب القرار، ولكنها مع شديد الأسف لا تجد طريقها إلى التطبيق. وهو أمر يزدادنا حنقا، ويدفعنا اليأس إلى البحث عمن يمكننا أن نعلق عليه الفشل.
فكيف لدولة ثرية وشعب أغلب أفراده متعلم في أرقى جامعات العالم – كيف لهذه الدولة – تعاني وكأنها دولة متخلفة؟
لا أدعي أني أعرف المشكلة، وإنما أرى أعراض لمشكلة، وأسمحوا لي أستعرض تلك “الأعراض”، فربما منها نستدل على تفسير لحالنا ووضعنا، ولا شك أن ذلك سيوفر علينا الكثير من الطرح، أو ربما يدفعنا إلى أن نركز على التغيير أكثر من التنظير.

لا تضحكوا أن قلت لكم أن وجود الخدم في منازلنا هو أحد أعراض مشكلة “عظيمة” تجعل من الصعب أن ينصلح حالنا، حتى وإن طبقنا الأفكار والمقترحات العبقرية التي نلهج بها ليلا نهارا. والسبب في ذلك بديهي، فوجود الخدم يفسر لنا التالي من الحقائق:
• أفراد الأسرة غير متجانسين لأنهم لا يعتمدون على بعضهم البعض في إدارة شئونهم اليومية، مما يمنع تكريس ثقافة العمل ضمن فريق واحد وغياب التزام الفرد اتجها الفريق (أسرته).
• انعدام المسئولية، فالكل لا يجد أنه بحاجة إلى الآخر، ولا يتحمل مسئولية الجماعة في المنزل، فكل شيء على الخدم.
• لا نشعر بأهمية بعضنا البعض، فنحن لا نعتمد على بعضنا البعض.
• عدم مشاركة أفراد الأسرة في مناحي الحياة يؤدي إلى غياب التنظيم والتطوير والعمل المشترك.
• أصبح أفراد الأسرة كالأطفال الصغار الذين تعودوا على الاعتماد على غرباء يعيشون بينهم، ليرعوهم في حياتهم اليومية.

هذا الحال نجده أيضا في مختلف مؤسسات الدولة وأروقتها، فنحن بحاجة إلى من يساعدنا في العمل كما هو الحال في المنزل، أليس كذلك؟
[ قد يقول البعض أن الخدم والحشم موجودون في مختلف أنحاء العالم، فالعملية لا تحتاج إلا إلى امتلاك الفرد لثروة كافية تسمح له أن يؤجر من يريد للعمل عنده كخادم. لمن يقول هذا الكلام عليه أن يدرك أن ذلك ممكنا ولكن بقيود، وهذه القيود تجعل من عملية الاعتماد على الخدم بالأسلوب الذي تعودنا عليه أمر صعب جدا. فمثلا ساعات العمل محدودة بأوقات أقصر، والأجور مثبتة وفقا لقانون بالنسبة للساعة الواحدة. مما يعني أن ليس كل مقتدر يمكنه الاعتماد على الخدم لمجرد أنه مقتدر، وإنما هناك مسئوليات، كعدم إبقاء الأجير لمدد طويلة، ولا يمكن منحه راتب زهيد أقل مما يفرضه القانون. فضلا على أن كثير من الدول لا تقبل بإدخال أجانب إلى بلدانها للعمل بالأعمال المنزلية. علما بأن السائد للمقتدرين في العالم أنهم لا يعتمدوا على الخدم بأسلوبنا، بينما يعتمد على الخدم من هو على “قد حاله” في بلادنا، أليس كذلك؟ فلا يوجد في منازل الناس في اكثر الدول تقدما وتطورا في آن واحد سائق وطباخ أو طباخة وصبي، ولا نجد فريق من العمالة المنزلية التي تقوم بمختلف الأعمال المنزلية على مدار الساعة. أليس كذلك؟

لذلك، إذا كنا غير قادرين على أن نعتمد على أنفسنا في منازلنا، ولا نعمل بروح الفريق الواحد مع أفراد عائلتنا فكيف لنا أن ننفذ كل الأفكار والاقتراحات العبقرية التي نسمعها بصفة يومية في كل مجلس؟

نحن نرى كيف أن الموظفون يعتمدون على الأجانب كاعتمادهم على مربياتهم في بيوتهم. أما الأطفال، يعتمدون على أمهاتهم وآبائهم في عمل وظائفهم المدرسية. أما دكتور الجامعة، يريد طلابه يساعدونه في الانتخابات. والممرضة في المستشفى تصرخ: بورتااااااااار تعال خذا الأوراق (تقصد عمال شركة التنظيف)، والشرطي في المخفر يصرخ وهو متكئ: شركككككككككككة، جيب شاي (يقصد عمال شركة التنظيف) والمشتري في الجمعية يعتمد على اجنبي تم توظيفه بالجمعية فقط ليضع أغراضه في الكيس، ثم يحمل له الكيس ليضعه له في السيارة.
إن الأفراد الذين لم يتعودوا على الاعتماد على أنفسهم والعمل الجماعي واحترام المسئولية والتقدير والاحترام لن يصبحوا مجتمعا يناسب الدولة العصرية، مهما وضعت لهم من القوانين والنظم والمباني الفخمة والمسارح ودور الأوبرا والنوافير والحدائق والمجمعات، ومهما لبسوا من ماركات عالمية وركبوا سيارات فخمة. فهؤلاء لن “يكافحوا” الفساد وانما “يطالبون” بالقضاء على الفساد كصرخة من يريد استكانة الشاي من العامل المسكين [شركككككككة….. جيب شاي].
مع ذلك أقول لكل مشكلة حل. ولكن هذه حلها يكمن برغبة من يريد ان يصلح أمر هذه الأمة، وان فعل سيبقى خالدا في ذكراها عبر الأجيال.

إغلاق
إغلاق