أخبار

رواية «النجدي» تحمل التراث البحري الكويتي إلى العالم

يعلم كل منْ قرأ كتاب «أبناء السندباد» للقبطان والمؤرخ والمصور الأسترالي ألن فاليز، والذي كتبه بعد أن ركب عام 1939، سفينة «بيان» التي يُبحر بها النوخذة الكويتي علي ناصر النجدي، كيف وصف القبطان البحارة الكويتيين. فالقبطان الأسترالي جاء من خبرة بحار الدنيا ليقف على حقيقة علاقة البحارة العرب بالسفن الشراعية، والذي سرعان ما سُحر بمهاراتهم البحرية، وما كان ليصدق نفسه، وهو يرى جرأة البحار الكويتي وخبرته وشجاعته وتحمّله، وهو يبحر في أقسى الأجواء وأصعبها، وعبر أخطر الممرات المائية، وهذا ما جعله يُقدم على تسميتهم بـ«أبناء السندباد».

أبناء السندباد

عاد القبطان ألن فاليرز عام 1939 على سفينة النوخذة علي النجدي إلى الكويت، وتلاقى مع صاحب السمو الشيخ أحمد الجابر، واستقر لدى أسرة الحمد الكرام، وكتب كتابه «أبناء السندباد» ونشره بالإنكليزية عام 1940، والذي يُنظر إليه حتى اللحظة بوصفه أحد أهم المراجع عن الملاحة الشراعية العربية، والخليجية تحديداً. وبأمر وتشجيع من سمو الشيخ صباح الأحمد، تمت ترجمة الكتاب في منتصف الستينات، وتاليًا؛ في عام 2006، قام مركز الدراسات والبحوث الكويتية بمتابعة من رئيسه الأستاذ الدكتور عبدالله يوسف الغنيم، بإصدار نسخة مصححة ومزيدة من الكتاب بمراجعة الدكتور يعقوب الحجي، ليُعد أحد درر المكتبة الكويتية.

تتبع الرحلة

الروائي طالب الرفاعي مُتتبعاً حياة النوخذة النجدي، أصدر عام 2017، رواية «النجدي»، التي ترصد اليوم الأخير من حياة النوخذة النجدي، الموافق 19 فبراير 1979، وتُقدم بشكل فني عالٍ ومشوّق جزءًا عزيزًا من التراث البحري الكويتي، عبر تناول حياة وعلاقة علي النجدي بالبحر منذ نعومة أظفاره. يوم كان البحر مصدر رزق الكويتيين ومغامرتهم الأكبر.

رواية النجدي حظيت، ولم تزل تحظى. باهتمام نقدي عربي وعالمي كبير، خصوصًا أنها تقدم، بشكل غير مسبوق، أدب البحر في منطقة الخليج العربي، لذا سرعان ما عرفت في سنة صدورها طريقها إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، وسرعان ما أبحرت إلى ترجمات كثيرة من بينها: الإنكليزية والفرنسية والأسبانية والإيطالية والصينية والهندية والتركية.

الترجمة التركية

المترجم والأكاديمي التركي ظافر جيلان، عشق أجواء رواية النجدي، وبعد أخذ الأذن من الروائي الرفاعي باشر في ترجمة «النجدي» إلى التركية. حيث قام بترجمة النص المملوء بالمصطلحات البحرية المعقدة ببراعة إلى اللغة التركية، مع الحفاظ على وفائه للأصل العربي، مما يجعل رواية «النجدي» إحدى الروايات البحرية التي لن تُنسى باللغة التركية. لقد وجد المترجم ظافر جيلان مكافئات لغوية مناسبة وبمهارة فائقة للصور المثيرة في النص الأصلي الذي يبدو في لغة بسيطة سلسة، حيث قام بترجمة الحوارات إلى التركية بنجاح كبير، وبما يقدم مساهمة مهمة في الأعمال الأدبية المترجمة من العربية إلى التركية. ونعتقد أن هذه الترجمة فتحت للقرّاء أبواب الأدب الكويتي العربي الذي لا يعرفه كثيرون في تركيا، ونجحت في الكشف عن لؤلؤة الأدب العربي هذه.

جائزة الترجمة

بعد صدور الرواية عن دار نشر «آيرينتي» التركية عام 2022، تقدم المترجم بها لجائزة «طلعت سعيد هالمان» للترجمة، والتي تُعد إحدى أهم الجوائز التركية، وتهتم بترجمة آداب العالم إلى اللغة التركية، برعاية «مؤسسة اسطنبول للثقافة والفنون»، والتي تُخلّد ذكرى أول وزير للثقافة بالجمهورية التركية. وقد تشكّلت لجنة التحكيم لهذا العام برئاسة الكاتب دوغان هيزلان ويحلّفها كل من: الكاتبة والمترجمة والناقدة سيفين أوكياي، والكاتبة والمترجمة عائشة ساريسايين، والكاتب والمترجم يِغيت بينير، والكاتب والمترجم كايا كنج. في البدء وصلت رواية النجدي للقائمة القصيرة، وبعدها أعلنت الجائزة عن فوز رواية النجدي للكاتب الكويتي طالب الرفاعي بالمركز الأول، بالرغم من المنافسة الشديدة بين مختلف روايات القائمة القصيرة لهذا العام.

أعلنت لجنة التحكيم في حيثيات حصول المترجم ظافر جيلان على الجائزة: رواية النجدي للكاتب الكويتي طالب الرفاعي تتسم بالشعرية وتلوّن واقعها الفني بما يمكن أن يكون قد حدث للنوخذة علي ناصر النجدي، مستندة إلى وقائع حقيقية جرت له يوم الاثنين 19 فبراير 1979. ويقدم الروائي طالب الرفاعي صورة معقدة لنفسية النوخذة علي ناصر النجدي. البحار الكويتي الذي عشق البحر منذ صغره، حين استمع للمرة الأولى لنداء البحر: «تعال»، مروراً بمغامراته البحرية، وإلى أن أصبح بحارًا مقتدرًا في سن الرابعة عشرة، وتاليًا صار نوخذة على سفينة البوم «بيان».

الرواية تستحضر التراث البحري الكويتي، كما تُعد وقفة احترام للنوخذة النجدي الذي يعتبره المؤلف بطلاً قوميًا في التاريخ البحري الكويتي. والرواية تحكي عن مأزق انفصال الإنسان الكويتي عن البحر مع انتهاء حقبة صيد اللؤلؤ والسفر البحري بعد اكتشاف البترول وتصديره. كما تأخذ الرواية القرّاء في رحلة مشوّقة لعيش عوالم مواجهة وصراع الإنسان مع البحر، ومن ثم اسئلة الوجود الكبيرة.

المصدر : القبس

إغلاق
إغلاق