مقالات وكتاب

«قضايا وآراء».. محمد المجرن الرومي إثراء للمكتبة العربية واستشراف للمستقبل

25

بأسلوب بسيط، وعرض شائق، وتسلسل منطقي للأفكار، وبرؤية ثاقبة للأحداث، وما بين المشاعر الإنسانية الجياشة، والقضايا الوطنية، والعلاقات الدولية المتشابكة، وبحصافة الديبلوماسي المتميز بحسه الوطني، حلّق مدير إدارة آسيا في وزارة الخارجية السفير محمد أحمد المجرن الرومي، عاليا في سماء الإبداع، مخترقا حواجز الزمان والمكان، متنقلا بين المجالات السياسية والاجتماعية والدولية والإسلامية، ليقطف من كل بستان زهرة، ويقدم لنا عصارة أفكاره وخلاصة تجاربه في العمل الديبلوماسي على مدار سنوات طويلة، ويجمعها بين دفتي كتاب في 224 صفحة من القطع المتوسط بعنوان «قضايا وآراء».

ويستهل الرومي كتابه بتقديم مميز للتعريف بمحتوياته، ويؤكد ان «قضايا وآراء» عبارة عن مجموعة مقالات متنوعة كتبها في عدد من الصحف الكويتية والعربية والأجنبية، ناقش من خلالها العديد من المشكلات والقضايا والظواهر السلبية في المجتمع وطرق معالجتها، مع استشراف مستقبلي لعدد منها.

شموع انطفأت

وفي وفاء شديد وعرفان كبير بالفضل، التقط الكاتب صورة قلمية شديدة الوضوح وعالية النقاوة، للمشاعر الإنسانية المختلفة التي تتنازع النفس البشرية، وأجاد في تصوير الفقد والرثاء، حيث خصص الفصل الاول «إنسانيات» للحديث عن الأشخاص المقربين منه من الأهل والأصدقاء والمعارف ممن رحلوا عن دنيانا، أو من هم على قيد الحياة، معتبرا أن ذلك «دين عليه تجاه هؤلاء»، فراح يرثي والده الراحل المرحوم أحمد الرومي الذي انتقل الى جوار ربه في نوفمبر 2013، واصفا اياه بـ «شمعة البيت التي انطفأت»، ثم يعرج في موضع آخر من الفصل على عمه الراحل عبدالله المجرن الرومي، ليؤكد أنه لقي ربه بعد رحلة عطاء عامرة بأعمال الخير والبر.

ويحاول الكاتب وصف ما يختلج نفسه من خواطر وحزن، فيسرد قصة سماعه نبأ اكتشاف رفات عدد من شهداء الكويت، ومنهم الشهيد عادل الرقم الذي كان زميله في الدراسة، مطالبا الأوساط الرياضية بتخليد اسمه وإطلاقه على إحدى المنشآت أو الدورات الرياضية، ويرثي بعد ذلك عددا من الشخصيات التي اثرت في حياته، مثل الأديب والديبلوماسي عبدالله زكريا، وجاسم حمد الصقر، ويعقوب اليتامى، وشيخ الأزهر المصري السابق، والسفير الدويسان وغيرهم.

أنسنة الأمل

وفي ختام إحدى المقالات التي ضمها الكتاب ضمن فصله الاول، تناول الرومي قضية «الأمل»، ليأخذ القارئ في «استراحة» تفاؤل، حيث يوضح أن الحياة من دون أمل ناقصة وبائسة في نفس الوقت، لافتا الى أن الأمل يعطي الإنسان طاقة وقوة لمواجهة مصاعب الحياة، ويسرد قصة الشموع الأربع، محاولا أنسنة تلك الشموع، متصورا حديثا يدور بين شموع السلام والصدق والحب والأمل، ليخرج في النهاية بحقيقة مفادها، ان شمعة الأمل تستطيع إشعال كل تلك الشموع، وما دامت هناك حياة فلابد من الأمل.

من الإنسانية إلى القضايا الوطنية والحياة السياسية الكويتية بشقيها البرلماني والحكومي، حطت طائرة الرومي أمام مجلس الأمة ليلقي الضوء في عدد من المقالات على الانتخابات البرلمانية وطرق اختيار المرشحين وكيفية التمييز بينهم ويلقي نظرة سريعة على برلمان الكويت، ثم يعرج بعد ذلك على الثقافة العربية ومشكلات البيئة الكويتية والشباب والقضاء وغيرها.

رؤية ديبلوماسية

وبعين الديبلوماسي الخبير ببواطن الأمور والمدرك جيدا لحقائقها، والقريب من صناع القرار، أفرد الرومي صفحات كثيرة للحديث عن الاحتلال العراقي (الصدامي) للكويت ـ كما يسميه ـ متناولا فترة ما قبل الغزو والصراعات بين البلدين وادعاءات الجانب العراقي الكاذبة ومحاولات تحرشه المتكررة بالحدود الكويتية، وتزييفه للواقع والتاريخ والجغرافيا، متحدثا عن المواقف المخزية لبعض الدول العربية من احتلال الكويت أو ما يسمى بـ «دول الضد»، مشيدا في الوقت ذاته بالدول التي ساندت الحق الكويتي ووقفت إلى جواره.

ويتابع تناول فترة المفاوضات الكويتية بشأن قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن حول حصار العراق، منتقلا بعد ذلك الى «المحاكمة العادلة للرئيس الظالم»، وهنا يقصد محاكمة المقبور صدام حسين على جرائمه البشعة بحق العراق والكويت، مشيرا الى ان المقبور كان سعيد الحظ لأن عملية القبض عليه تمت بأيدي القوات الأميركية، «التي عاملته معاملة إنسانية»، مستدركا بالقول «لو قبض عليه العراقيون لدفنوه في الحجرة التي كان مختبئا فيها أو كان مصيره السحل»، متسائلا: «ماذا تريد الكويت من العراق؟»، وذلك بعد سقوط النظام البعثي البائد، ليؤكد ان عودة الثقة بين الشعبين تتطلب اعادة النظر في الخطاب الإعلامي العراقي وترسيخ الديموقراطية لتحقيق السلام والاستقرار بين البلدين.

حروف وكلمات

مقدما رسائل مختصرة وسريعة تحمل في طياتها الكثير من المواعظ والإرشادات عن حقائق الحياة والموت والنفس البشرية، ذيل الكاتب عددا من مقالات الفصل الثاني ببعض الحكم والأمثال منها:

٭ البخيل أتعس الناس

٭ لم يهب الله الإنسان اليد لكي تستلم النقود فقط ولكن لتعمل وتنتج

٭ الحياة رحلة تنتهي بالموت

٭ الابتسامة تكسب الإنسان حب الناس

٭ المحامي هو الشخص الذي يأخذ حقك من الخصم ليضع جزءا منه في جيبه

أما في الفصل الثالث فيتصدى الكاتب لما يعرف بـ «الإسلاموفوبيا»، واتهام الدين الإسلامي بالعنف والتطرف، ففي إحدى مقالاته المنشورة بجريدة اكسبرسن السويدية في أكتوبر 2001، وردا على الاتهامات التي طالت المسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر من العام نفسه، بين الرومي أن الإسلام يرفض كافة أشكال العنف، مؤكدا أنه دين العدل والحق والمساواة والرحمة والتسامح والتعاون بين جميع البشر في أرجاء الأرض، ومن ثم يرسل عدة رسائل ونصائح للمسلمين، مطالبا إياهم بالحفاظ على الإسلام وعدم تشويه صورته أمام العالم، وإبراز قيمه ومعانيه السامية من خلال التعامل الراقي والاعتدال والوسطية في كل شيء، منبها الى ضرورة تفعيل دور وسائل الإعلام لإظهار الوجه السمح للإسلام الحنيف.

علاقات دولية

واختتم الرومي «قضايا وآراء» بفصل تحدث فيه عن نشأة الديبلوماسية الكويتية وتطورها، وراح يلقي نظرة تاريخية على السياسة الخارجية للبلاد منذ منتصف القرن السابع عشر حتى الآن، حيث عرج على استقلال البلاد عن بريطانيا عام 1961، وإنشاء الهيكل التنظيمي لوزارة الخارجية، كما أوضح اهمية الدور الكويتي في حل الخلافات والعمل على وحدة وتماسك الدول العربية.

ويفرد الكاتب مساحة من الفصل للحديث عن صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، معتبرا ان سموه «مهندس الديبلوماسية»، الذي شغل منصب وزير الخارجية لمدة تقارب الأربعين عاما، منوها بدور سموه في معالجة العديد من الملفات العربية الحساسة على مدى عقود طويلة.

وبعدها يأخذنا القارئ في جولة مكوكية الى القارة الآسيوية، ويتحدث عن الصراع بين الهند وباكستان بسبب اقليم كشمير، ثم يشرح علاقات الكويت بآسيا، ويختتم كتابه بلمحة سريعة عن تطور العلاقات الكويتية ـ البريطانية منذ بداياتها، والتعاون المشترك في مجالات النفط والدفاع والتسلح.

وفي النهاية يمكننا القول بأن «قضايا وآراء» من الكتب الثرية بالمعلومات القيمة، كما يعد إضافة مهمة للمكتبة العربية والكويتية، وعملا متكاملا جديرا بالقراءة والاهتمام.

«عتاوية ميامي»

بينما كنت أقلب في صفحات الكتاب، لفت نظري هذا العنوان المثير والغارق في المحلية لإحدى المقالات، حيت تحدث فيه الرومي، عن قصة عدد من طلاب الكويت الذين يدرسون في مدينة ميامي الأميركية، موضحا انهم أصدروا مجلة خاصة باسم «عتاوية»، حيث يقوم هؤلاء الطلبة بكتابتها والإشراف عليها بأنفسهم، وهي مزيج من السخرية والضحك الذي ينسي الطالب هموم الدراسة والغربة، مبديا اعجابه الشديد بالفكرة، مقدما تحية إعزاز وتقدير إلى هؤلاء «العتاوية الميامية».

إغلاق
إغلاق