أخبار
الكويت تحتاج مراجعة شاملة لقطاعات القضاء وأجهزة التحقيق
يحتم الارتفاع الكبير الذي تشهده المحاكم بسبب عدد القضايا الجزائية وغير الجزائية النظر في جملة من القضايا بعد المراجعة الشاملة والكاملة لمنظومة التقاضي المدنية والجنائية في البلاد، وآليات العرض للدعاوى، وسلامة الأحكام المبنية عليها، وقدرة الأجهزة على إنجاز الأعمال الموكولة إليها.
ومن أهم القضايا التي يتعين إعادة النظر فيها، مراجعة القوانين الإجرائية المنظمة للتقاضي في المحاكم كقانون المرافعات المدنية والتجارية، وقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، وقانون تنظيم القضاء، وقانون الرسوم القضائية والمعاملات الإلكترونية.
الواقع الإداري المساند
كما يحتّم الأمر النظر في الواقع الإداري المساند للأجهزة القضائية والجنائية كفاعلية الأنظمة الإدارية المعنية بمساندة القطاعات القضائية في أداء أعمالها، وكذلك أجهزة التحقيق، والإدارة العامة للخبراء، والأخرى المعنية بتنفيذ الأحكام المدنية والتجارية والجنائية كالإدارة العامة للتنفيذ، وجهاز التنفيذ الجنائي، وإدارة تنفيذ الاحكام، والنظر إلى امكانية دمجها وضمها، وكذلك مراجعة الإجراءات المتبعة بها وصولا إلى تقييم أدائها الإداري والفني.
والدواعي وراء اتخاذ تلك الخطوات الشاملة والعامة نحو مراجعة التشريعات والمنظومة الإدارية والفنية ترجع إلى مرور اكثر من 60 عاما على بعضها، وإلى تدهور الوضع الإداري والفني في القطاعات القضائية وأجهزة التحقيق والإدارات المسؤولة عن التنفيذ، وهو ما يستدعي تحقيق تلك المراجعة على نحو كلي نحوها، وإضفاء الحلول المناسبة لكل قطاع على حدة، للوصول إلى تحقيق التكامل والترابط بين تلك القطاعات على نحو يساهم في تسيير أعمالها.
لجان فنية
وبشأن مراجعة التشريعات المنظمة للتقاضي، فقد سبق لوزارة العدل وقبل نحو عامين إنشاء لجان فنية مشكلة من عدة أكاديميين ومحامين لمراجعة وإعداد مشاريع بقوانين لكل من قانون المرافعات، وقانون إجراءات الطعن بالتمييز، وقانون الإجراءات، وقانون الجزاء، والقانون المدني، وقد انتهت تلك اللجان من رفع كافة أعمالها إلى «العدل» دون أن تتفاعل الوزارة معها رغم اعدادها من قبل أساتذة القانون في كلية الحقوق بجامعة الكويت، وعدد من المحامين المختصين، وهو الأمر الذي يمكّن الجهات المسؤولة حاليا من ملف المراجعة، سواء من رئاسة مجلس القضاء ممثلا بالمستشار محمد بن ناجي او من رئاسة مجلس الوزراء، التي استعانت بأحد أساتذة القانون، وهو الدكتور معاذ الملا، أو من خلال الوزير الجديد لوزارة العدل عبدالعزيز الماجد.
ريادة قانونية
أما بشأن القوانين التي لم تشملها المراجعة من قبل اللجان القانونية المكلفة بمراجعة التشريعات فمن الممكن أن تكلف إحداها بمراجعتها حاليا، أو أن يقوم الفريق المكلف بتلك المراجعة الشاملة بمراجعة وتقديم أحد المشاريع على قوانين الرسوم القضائية وقانون تنظيم القضاء والمعاملات الالكترونية، لأن كل تلك القوانين كالمرافعات والإجراءات وتنظيم القضاء والرسوم القضائية والمعاملات الإلكترونية لها ارتباط وثيق وكبير بنقل التقاضي من الحالة التقليدية إلى حالات حديثة أكثر فعالية ومرونة، وتعيد للبلاد ريادتها في المجال القانوني الذي عرفت به بعد نشأة الدستور، لاسيما في ظل توافر كافة الإمكانات والطاقات الفنية المعنية بتلك المراجعة.
وأما بشأن المراجعة الشاملة والعامة للقطاعات القضائية، وأجهزة التحقيق الجنائية، وأجهزة التنفيذ للأحكام المدنية والجنائية والمعنية بمساندة تلك الأجهزة فهذا يقتضي تقييم آراء تلك الأجهزة وقدرتها على العطاء والإنجاز بكل كفاءة قانونية، في ظل الارتفاع الكبير الذي يشهده قطاع التقاضي في الكويت، خصوصاً مع ارتفاع ثقافة التقاضي لقلة تكلفته في ظل الغياب التام لثقافات اللجوء إلى التسوية والتحكيم في البلاد وهو ما يستدعي المراجعة نحو زيادة اعداد القضاة، وأعضاء النيابة العامة، والإدارة العامة للتحقيقات، وأيضا إدارة الفتوى والتشريع.
ومثل تلك المراجعة تتطلب كذلك التفكير في ضم الأجهزة القضائية وأجهزة التحقيق، وذلك يتمثل من خلال التقرير بإنشاء مجلس الدولة، وهو ما يقتضي تعيين قضاة متخصصين في القضاء الإداري، وكذلك الاستعانة بعدد من مستشاري «الفتوى والتشريع»، بعد التأكد من كفاءتهم الفنية، وخضوعهم لاختبارات تؤهلهم لممارسة العمل القضائي، وكذلك الاستعانة بجزء منهم للعمل في قسم «الافتاء»، بينما القسم الاخير من قطاع الفتوى والتشريع فيتم إسناد عمله لقطاع هيئة قضايا الدولة ويعمل فقط على تحقيق تلك المأمورية من العمل وتركيز جهوده في ذلك، بينما أجهزة التحقيق المطلوب ضمها، وهي الإدارة العامة للتحقيقات إلى النيابة العامة، وتخضع لإشراف النائب العام، وتكون تحت مسمى «نيابة الجنح العامة»، على أن تخضع الأجهزة المعنية لذلك الجهاز لضمها مع الأجهزة المعنية التابعة لإشراف النائب العام، مع اخضاع عمل ذلك الجهاز لسلسلة من المراجعات تشمل الإدارات المعنية بها والمحققين والاستعانة بهم جميعا أو جزء منهم، والنظر إلى الدور المنوط بمسؤولي هذه الإدارة، ومنحهم مدداً زمنية للعمل أو دمجهم في إدارات معنية، وهو أمر ليس غريباً من الناحية الإدارية والقانونية، فقد تم التعامل معه بطرق مماثلة قررتها أحكام قانون هيئة أسواق المال عندما تم ضم العاملين في جهاز بورصة الكويت إلى جانب العاملين في هيئة أسواق المال، ومن ثم فإن إعادة النظر نحو هذه الإدارة أمر بات في غاية الأهمية، لسببين: الأول توحيد الدعوى العمومية وذلك لأن التقرير بوجود الإدارة العامة للتحقيقات كان على نحو مؤقت، وهو موعد فاق الـ 60 عاما حتى الآن، ويجب النظر اليه حفاظا على الدعوى العمومية التي يجب ان تكون في عهدة النيابة العامة وحدها، بينما السبب الاخر وهو تطوير الإدارة العامة للتحقيقات التي مضى على انشائها لأكثر من 60 عاما ثبت من خلالها عدم سلامة بقائها في ظل المنظومة الأمنية التي تشرف عليها ، والتي ينبغي أن تكون إدارة قضائية تعمل وفق نهج ونمط وفكر قضائي وفني، علاوة على النظر إلى الكفاءات الفنية عند التعيين كالتي تتبعها النيابة العامة، وتعمل على تطوير مهاراتها وإداراتها من خلال معاهد متخصصة كمعهد القضاء، لذلك فإن فكرة ضم الجهازين قضية مهمة تستحق النظر والتفكير جديا بها وسبق لمجلس الامة قبل نحو 10 أعوام تقريبا أن وافق على ضمهما، إلا أنه لم يكتب لهذا المشروع النجاح بسبب الاعتراض على تماثل الوظائف الفنية كالمدعي العام إلى جانب وظائف المحامين العامين وتعيين المحققات ووجود محققين تابعين للداخلية ، وهي قضايا يمكن تجاوزها اليوم في ظل التطورات التي يشهدها القضاء ككل بضم العنصر النسائي ، لاسيما في ظل التغيير الذي من الممكن تحقيقه تشريعيا كما فعل قانون هيئة أسواق المال مع موظفي البورصة، فضلا عن أن هناك كفاءات في «التحقيقات» بمناصب مدعين بالامكان الاستفادة بهم، فضلا عن ان القانون لن يلزم النيابة او قطاع التحقيق بمن يثبت عدم كفاءته الفنية، وهذا أمر تبرره المصلحة العامة حال ضم الجهازين الى جهاز واحد معني بالدعوى العمومية ومتابعتها تحت إشراف النيابة العامة فقط.
كما أن الأمر يستدعي النظر في ضم الإدارات المعنية بتقديم الخبرة القانونية والقضائية كضم إدارة الخبراء، وإدارة الطب الشرعي، وإدارة الأدلة الجنائية، لوجود تماثل في عملها من حيث تقديم الخبرة القانونية والرأي الفني المساند للدعاوى الجزائية التي تتطلبها المحاكم الجزائية وجهات التحقيق الجنائية، والتي كشف الواقع ان بعض منتسبيها لا يخضعون لبعض المعايير الخاصة في العمل كأداء القسم مثلا عن باقي العاملين الآخرين رغم انهم يؤدون مهام فنية كبيرة للإدارة الجنائية والمدنية على حد سواء.
التحول الإلكتروني
ومثل ذلك الضم لبعض القطاعات القضائية والقانونية سيساهم في تنظيم منظومة التقاضي الجنائية والمدنية على نحو يتسق واحكام الدستور الكويتي، علاوة على فتح باب التخصص في مجالات سوق العمل القانونية بشكل يرفع جودتها وكفاءتها.
بينما الامر الثالث الذي يتعين الإسراع في مراجعته على نحو شامل فيتمثل في تقييم أداء الطاقات البشرية والفنية والإدارية العاملة في تلك القطاعات والأجهزة القضائية والقانونية، مع وضع الخطط اللازمة لتحويل كافة التعاملات والتصرفات من ادارية الى الكترونية، وهو تحد نجحت في تحقيقه العديد من دول المنطقة بعد أن اعتزلت العمل الإداري والفني التقليدي الى منظومة العمل الالكتروني مباشرة وبكل القطاعات، وهو الأمر الذي يستدعي معه العمل سريعا للاقدام نحو تلك المنظومة الالكترونية واستبدالها بالمنظومة الحالية التقليدية.
يستدعي الحال القائم النظر في تقييم الطاقات البشرية والادارية العاملة من حيث قدرتها على مواجهة اعداد القضايا، والتي ترتفع على نحو سنوي بعد ان فاقت اعداد الجنح المليون ونصف المليون وكذلك وصول الطعون التي تفصل فيها المحاكم قرابة 8 الاف طعن امام محكمة التمييز علاوة على الطعون المتراكمة والتي بلغت اعدادها 60 الف طعن متراكم ، وكذلك النظر في قدرة الطاقات البشرية الفنية والإدارية على مواجهتها، والسعي نحو زيادة اعدادها بما لا يخل بجودة العمل وكفاءته، لاسيما اننا نتحدث عن عمل فني قانوني يستدعي القيام به من قبل المختصين، ومن يتمتع بالكفاءة والعطاء القانوني اللازمين لإنجازه دون قصره على جنسية أو على مواطني الدولة، وهو ما يستدعي معه النظر الى عدم الاستعجال في تكويت الوظائف القانونية والقضائية لمجرد التكويت، انما يكون ذلك الأمر خاضعا لخطط وآليات متبعة مرتبطة بتوافر الكفاءات والخبرات الوطنية واستبدالها بالكفاءات الأجنبية، إذ إن تقرير التكويت دون النظر إلى قدرة وكفاءة من يتم احلالهم لتلك المناصب بمثابة «المغامرة» التي تؤدي الى تدمير تلك القطاعات، والتي تتطلب العمل نحو أمرين للنظر في امر التكويت، وهما ان يكون ذلك وفق برنامج زمني لتحقيقه، وان يكون مرتبطا ذلك البرنامج بتزويد تلك القطاعات القضائية القانونية بالكفاءات الوطنية التي تحل محلها مع توفير البرامج والخطط التي تعمل على رفع كفاءة الخبرات الوطنية، للوصول الى ذلك مع زيادة التعيينات للتخصصات المطلوبة بكافة الأقسام والمجالات. اخيرا مازالت الآمال معقودة نحو تحقيق المراجعة الشاملة والكاملة والتي تنتظر المبادرة من المعنيين على هذا الملف الهام والعاجل.
«العدل» تملك منذ عامين تقارير لجان عن مشاريع لتعديل قوانين المرافعات والإجراءات و«الجزاء» و«المدني»
زمام المبادرة تملك تحريكه رئاسة الوزراء أو «الأعلى للقضاء» أو وزير العدل
لا توجد أي صعوبات عملية أو قانونية لضم «التحقيقات» إلى النيابة والحل بإنشاء نيابة للجنح
ارتفاع ثقافة التقاضي في البلاد لقلة تكلفته وغياب وسائل التسوية والتحكيم
المصدر : الجريده