مقالات وكتاب
كلمة تاريخية لأمير الكويت تكشف أزمة القيم الأممية تجاه فلسطين
بقلم: د. عصام الفليج
يبدو أن قدر الشعب الفلسطيني أن تمتد معاناته طويلا؛ بامتداد معاناة الأمة الإسلامية التي فقدت بوصلتها، وأضاعت أهدافها، وتناست قيمها ومبادئها، وسلمت رقبتها للجلاد، بل لصاحب النطع، فقد أفرط الكيان الصهيوني في الإيغال باستخدام القوة المفرطة تجاهالشعب الفلسطيني، وراح ضحيتها عشرات القتلى وآلاف الجرحى، دون توقف أو تهدئة، متناسية مصطلح “الإنسانية” الذي تدعو لها هيئة الأمم المتحدة، كيف لا و”إسرائيل” هي المحتلة لأرض فلسطين!
وبمبادرة إنسانية، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعقد جلسة طارئة في إسطنبول لمؤتمر القمة لمنظمة التعاون الإسلامي، كونه رئيس الدورة الرابعة عشر، واستجاب لها عدد من رؤساء الدول الإسلامية، ونفخر ككويتيين بمشاركة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح فيها، رغم ضيق الوقت، وتعب شهر رمضان المبارك، وهو بهذا العمر، وظروفه الصحية العامة، فجزاه الله خيرا على ذلك.
وقد كانت كلمته بحق كلمة تاريخية تسجل في قائمة الزعماء المتميزون، أكد فيها استحقاقه للقب “قائد إنساني عالمي”، حدد فيها بكل وضوح أماكن الخلل، وسبل علاجها. وأستطيع أن أقسمها إلى النقاط الآتية:
أحادية القرار الأمريكي بنقل السفارة إلى “القدس” بالقوة دون اعتبارية لأحد..
فقد تزامنت هذه الأحداث الإرهابية الصهيونية مع افتتاح السفارة الأمريكية في مدينة القدس الشريف، ذلك “القرار الأحادي” الذي يطمس الهوية الفلسطينية لتغيير الوضع التاريخي القائم، والذي يستهدف تهويد المدينة المقدسة وإخلالا بتركيبتها السكانية، وتغييرا لهويتها الدينية والتاريخية، باعتبارها مدينة لكل الأديان السماوية، كما ان ذلك القرار يشكل “خرقا صارخا” لقرارات مجلس الأمن، وتقويضا لعملية السلام في الشرق الأوسط.
تساؤلات تحتاج إجابة..
لماذا تستمر معاناة الشعب الفلسطيني؟!
ولماذا نتجاهل ولا ننفذ قرارات مجلس الأمن التي اتخذت؟!
ولماذا يقف المجتمع الدولي عاجزا عن حل هذه القضية؟!
ولماذا يبقى الضحية قاتلا في عرف إسرائيل؟!
ولماذا تتمكن إسرائيل دائما من الإفلات من العقاب؟ّ!
ولماذا كل هذه الأرواح تزهق وهذه الدماء تسال أمام الصمت المطبق للضمير العالمي؟!
إننا ندرك أن عواقب ذلك وخيمة، وستقود لبؤر توتر،وبيئة حاضنة للعنف والتهديد وعدم الاستقرار.
أزمة قيم ومبادئ..
يعيش العالم أزمة قيم ومبادئ مع كل أحداثا مأساوية في العديد من بقاع العالم؛ لاسيما في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي سورية وميانمار وغيرها،وتعتصر قلوبنا ألما في المناطق التي تشهد امتهانا لحقوق الإنسان، ومعاناة إنسانية طاحنة، فنتخذ قرارات في مجلس الأمن في إطار الشرعية الدولية، فلا ترى طريقها إلى التنفيذ، لتتضاعف معها حالة الإحباط واليأس التي نعيشها جراء ذلك، وتدعونا إلى التفكير في مراجعة آليات عملنا على كافة المستويات، لتجاوز ما نعانيه من أزمة حقيقية في القيم والمبادئ.
ولعل قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بشكل أحادي وتداعياته، وما يمثله من تحد صارخ لكل أتباع الديانات السماوية في العالم؛ لدليل ساطع على حجم أزمة القيم والأخلاق التي نعايشها.
حتى إصدار بيان إدانة لإسرائيل فشلنا في إصداره..
وقف أعضاء مجلس الأمن حدادا على أرواح الشهداء إحساسا بحجم المأساة وعمق المعاناة، وقد سعينا من خلال عضويتنا غير الدائمة في مجلس الأمن لإصدار بيان يدين الانتهاكات الإسرائيلية ومحاسبة مرتكبيها،ولكن المجلس وبكل أسف فشل في إصدار بيان شجب أو قرار إدانة، ووقف المجلس عاجزا عن تقديم العون للمدنيين العزل، في وهو ما يجسد خيبة أمل وإحباط في تحقيق ما نتطلع له من دور فاعل ومؤثر لمجلس الأمن.
ضرورة إصدار قرار الحماية الدولية للشعب الفلسطيني..
ستواصل بلادي مساعيها للخروج بقرار ينص في مجمله على توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الشقيق من الممارسات القمعية التي يتعرضون لها في تعبيرهم السلمي لمطالبهم، وقد تقدمنا بمشروع قرار بشأن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ينص على توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
كلمات وقيم ومبادئ أراد سمو الأمير ترسيخها أمام العالم ممثلا كويتنا الصغيرة، في الوقت الذي صمت فيه كثير من زعماء الدول الكبرى حتى عن التعبير بالأسى والألم، ولعلها تكون بادرة خير، وبصيص نور لأمل الأمة الذي كاد أن يختفي حتى من مناهجنا الدراسية، وتحدياتنا السياسية، وقيمنا الإنسانية.
شكرا من الأعماق سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح على المشاركة في هذه القمة الطارئة، حضورا ومشاركة وفعالية، ولهذه الكلمة التي أصابت كبد الحقيقة بلا مواربة ولا تردد، فالعالم الإسلامي ينظر إليك بالفخر والاعتزاز، والله يوفقكم لكل خير.