مقالات وكتاب

البصمات العشر في الاستثمار الوقفي

وقفة الاثنين مع الوقف :
٢٠١٩/٦/١٧

الخواطر الأسبوعية
في الإدارة الرسالية
للمؤسسات الوقفية

البصمات العشر في الاستثمار الوقفي :

صيانة وتطوير العقارات الوقفية :

إن من أهم خصائص الإدارة الرشيدة والفاعلة: الاستمرارية. فينبغي أن تحرص الإدارات الناجحة على مفهوم الاستدامة والتطوُّر، فتحافظ على أصولها، وتضمن مواصلة الاستفادة منها، وتتجاوز ذلك إلى تطوير هذه الأصول وتعظيم العوائد منها.
وتنطبق هذه الرؤية على المجال الوقفي بطبيعة الحال، فهو مجال إداري كبير، تتنوع إداراته واهتماماته، ومن ثَمَّ فهو بحاجة أكيدة إلى تفعيل أفضل الأساليب الإدارية لتحقيق رسالته وأهدافه النبيلة، المتمثلة في إنفاذ المصارف الوقفية وفق الوارد في حجج الوقفيات كما أرادها الموقفون.
ولأن القاعدة الفقهية المعروفة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب: فإن إنفاذ المصارف الوقفية موقوف بدورِه على استمرار الوقف وسلامته مبدئيًّا، وكذلك ثباته في إدرار الفوائد والمنافع التي لأجلها جرى وقفُه، ومن هنا كانت الحاجة المستمرة إلى صيانة العقارات الوقفية وتطويرها.
إن مفهوم الصيانة والتطوير مفهوم مركزي في العمل الاستثماري الذي يقوم على العقارات والأصول، وهذا نوعٌ من النشاط الوقفي الذي يستثمر في العقارات، كما تقدَّم بيانُه في نقطة سابقة، وكذلك يحتاج المجال الوقفي إلى تفعيل الصيانة والتطوير في عقاراته الأصول التي لا تخضع للاستثمار، كالمساجد وسُبل الماء والمباني الخدمية، ونحو ذلك. وتتنوع وسائل الصيانة والتطوير، من مجرد الحفاظ على العقار وخدمته وإصلاح ما قد يطرأ عليه من عيوب أو أضرار، وصولًا إلى تطويره بما يتلاءم مع الوسائل الحديثة، وتحسين الخدمات المتوقَّعة منه، كما في تزويد المساجد بالإضاءات والآلات الصوتية والفنية والمكيفات والفرش، وكذلك ما يتعلق بوسائل السقيا من جلب المبردات الحديثة، والأكواب النظيفة غير متكررة الاستعمال، فضلًا عما يمكن الاستفادة منه في الدعاية للوقف من خلالها. فجميع ذلك يدخل في مفهوم الصيانة والتطوير العقاري، وهو غير استثماري في هذه الحالة. أما العقارات الاستثمارية فالشأن فيها أوسع، وتدخل فيه العوامل الاقتصادية والتجارية، التي تخضع لمعايير السوق وعوامل العرض والطلب، ومواكبة أحدث التصميمات والخدمات.
وكما هو واضح من الأمثلة السابقة فإن جميع إجراءات الصيانة والتطوير تستلزم الخبرات والعمل التخصصي والكفاءة الفنية، بما يمكن للإدارات القائمة مباشرته في بعض الأحيان، وبما يستلزم الاستعانة بالمتخصصين والخبرات وتوكيلهم في تلك العمليات في أحيان أخرى.
وفي الجملة فقد كان هذا الملف – ملف الصيانة والتطوير – تحديًا كبيرًا حين توليتي مسؤولية الأمانة العامة للأوقاف، والسبب في ذلك قلة الموارد، حيث يتطلب هذا الملف أن تكون هناك مخصَّصات مجنبة لأجل إعمار الأوقاف وتطويره وخدمته، وقد كانت هذه المخصصات بنسبة 1%، وهي نسبة لا تفي بمتطلبات الصيانة والتطوير، وقد رُفعت هذه النسبة خلال فترة تكليفي إلى 4% ولله الحمد، فتحسَّن وضعها كثيرًا، بحيث يمكن بالمراكمة لهذه النسبة على مدى مددٍ مختلفة أن نجري الصيانات والتطويرات المطلوبة للعقارات الوقفية.
وفي واقع الأمر، وفضلًا عن الأهمية الاستراتيجية التي ذكرناها لعمليات الصيانة والتطوير الوقفية؛ فإن لهذه العمليات بُعدًا إنسانيًّا أيضًا؛ لأن أصحاب هذه الأوقاف من الموقفين والموقفات هم الآن تحت الثرى، وقد تبرعوا منذ قرن أو قرنين من الزمان بهذه الأوقاف، خدمة لدينهم وأبناء وطنهم، وقد أوكلنا أن نحافظ عليها كي تستمر في عطائها، فينتفع المتوفّى وينتفع المجتمع وننتفع نحن أيضًا إن حسنت نيتُنا في ذلك العمل، ومن ثَمّ فمن البرّ بالمتوفى وبالمجتمع أن نحافظ على هذه الأوقاف، ولا نسلِّمَها إلى الاندثار والفناء متذرعين بأن هذا عمرها الافتراضي وأننا أدينا رسالتنا،
كلا! بل يجب علينا أن نحافظ على ثروتنا الوقفية محافظَتَنا على أموالنا الشخصية والتجارية، بكل ما أوتينا من معرفة وقدرة.
كما أن لعمليات الصيانة والتطوير عاملًا تحفيزيًّا على النشاط الوقفي، وذلك أنّه حتى في حالة الأوقاف الحديثة قد يقول كثير من المتبرعين أو الموقفين: هذا ما أستطيع أن اقدِّمه كوقف، ولكن قد لا أستطيع أن أتكفل بصيانته! فإذا لم تتعهد له الأمانة العامة للأوقاف بصيانة الوقف وتطويره والمحافظة عليه بأقصى قدرة ممكنة: فإن هذا سيكون مثبِّطًا يحول دون العملية الوقفية، حيث يقول القائل: ما الفائدة من أن أوقف وقفًا وهو سيتلف بعد مدة وينقطع عني ثوابه؟ أما في حالة معرفته برعاية الأمانة العامة للأوقاف لوقفه بإداراتها المتخصصة في هذا المجال، وأن دورها لا ينحصر في مجرد إدارة الوقف والنيابة عنه في توزيع ريعه ومخصصاته؛ فإنه سيطمئن على أن أمواله وأوقافه في أيادٍ أمينة، وأنها ستظل مدرةً إلى أقصى فترة ممكنة، ولا شكَّ أن هذا يشجِّع على تنشيط الحالة الوقفية.
وختامًا: فلازلت أرجو أن يُولَى هذا الملفُ العنايةَ اللازمة له، وأن يُجعل من أولويات اهتمام الإدارات الوقفية المعنية المختلفة، لأن الحفاظ على ما لديك أهم من جلب المزيد. وهذه القضية المهمة تتوقف على مدى نجاح الإدارة الوقفية سواء في الأمانة العامة للأوقاف بشكل عام أو قطاع الاستثمار بشكل خاص.

د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي
الأمين العام السابق للأمانة العامة للأوقاف
دولة الكويت

إغلاق
إغلاق