مقالات وكتاب
حتى لا يقودنا سوء الفهم السياسي لخطأ أكبر
بقلم : عصام عبداللطيف الفليج
تحدث النائب مشاري لرواد الديوانية حول الاستجواب الأخير، وأقنعهم بوجهة نظره المؤيدة للاستجواب، مستشهدا بالأدلة والقرائن.
وزارهم في اليوم التالي النائب مطلق، وتحدث معهم حول ذات الاستجواب، وأقنعهم بوجهة نظره المعترضة للاستجواب، مستشهدا بالأدلة والقرائن.
ودخل بعد قليل النائب كاظم وتحدث لرواد الديوانية عن الاستجواب الأخير، وأقنعهم بوجهة نظره في الامتناع، مستشهدا بالأدلة والقرائن، وخرج في التلفزيون الوزير خالد الذي فند جميع محاور الاستجواب، وأقنع المشاهدين برده، مستشهدا بالأدلة والقرائن.
نقف جميعا أمام قضية واحدة (موضوع الاستجواب، وهو هنا كمثال)، اختلف في طرحها 4 أشخاص، كل له وجهة نظره المعتبرة، وكل له أدلته المقنعة، والباب مفتوح لمزيد من الاطروحات المختلفة.
ولم تكن تلك الاختلافات لأن المشتركين فيها من مختلف فئات المجتمع.. سني وشيعي، حضري وبدوي، شيخ ومواطن، وزير ونائب، إسلامي وليبرالي، رجل وامرأة، تاجر وموظف.. الخ، إنما جاءت من الزاوية التي ينظر إليها كل واحد منهم، وعندما نتجرد من حظ النفس، ونفكر خارج المألوف أو خارج الصندوق، ونغير زاوية الرؤية للمشهد، سنعرف لم تغير الفهم، ونقدر اختلاف الرأي بين الجميع.
كلنا يعرف أن الإنسان يبني قناعاته على عدة أمور أبرزها: النشأة والتربية، والبيئة، والخلفية الذهنية، والبناء الثقافي والفكري، والقيم التي ينطلق منها، والالتزام الديني، والارتباط القبلي، والجانب العائلي، والمصالح العامة والخاصة والمرسلة.. وغير ذلك. وقليل من يستطيع أن يتجرد من ذلك كله أو بعضه ويتجاوز حظ النفس.
لذا.. فلا عجب أن ترى النائب «التاجر».. ليبراليا كان أو إسلاميا أو شيعيا.. وحتى الشيخ يتفقون على قناعة واحدة لمصلحة التجار، ولا عجب أن يتفق النائب «الشيعي».. الحساوي والأعجمي والليبرالي والإسلامي والتاجر على قناعة واحدة لمصلحة الشيعة، ولا غرابة أن يتفق النائب «القبلي» (البدوي).. الشمالي والجنوبي والغربي والليبرالي والإسلامي والتاجر على قناعة واحدة لمصلحة القبائل، ولا غرابة أن يتفق النائب «السني».. الإخوان والسلف بأنواعهم والمستقلين والقبائل على قناعة واحدة لمصلحة السنة (الليبرالي لا)، ولا غرابة أن يتفق النائب «الإسلامي».. السني والشيعي والقبلي والتاجر لمصلحة الدين.
وهكذا تتعدد الاتفاقات والاختلافات والمتناقضات، إما لاختلاف المصالح العامة، أو لاتفاق مصالح خاصة. ولم ولن ينضبط الاختلاف في الرأي والمصلحة إلا بضابط الأخلاق والقيم، مهما اختلفت زوايا الرؤية.
وبمناسبة ذكر الزوايا.. يوجد على مرآة السيارة الجانبية جملة لطيفة «انتبه.. الزاوية التي ترى منها لا تعكس الحقيقة»، وتسمى «الزاوية العمياء»، ولعل ذلك سبب صدام السيارات. وإذا عكسناها على أرض الواقع، فإن الزاوية التي نرى فيها الآخرين، ليس بالضرورة أن تعكس كل الحقيقة، فلعلنا نرى جزءا منها، ونغفل عن جزء آخر، ولعل هذا سبب صدام الحوارات.
ويعزز ذلك الكبر والغرور الذي يعانيه البعض، فيعطل مصالح الآخرين.
إننا بحاجة إلى الفهم بشكل عام في حياتنا، والفهم السياسي بشكل خاص، فالفهم رأس كل أمر، وإضفاء شيء من المصداقية والثقة وحسن الظن بين الأطراف، سيوفر علينا خسائر كثيرة، أما إقصاء الآخر فلن يحقق لنا سوى الخسران المبين.
لذا.. لا نستعجل اتخاذ أي قرار قبل الاطلاع على كل المعلومات، والاستماع لكل الأطراف، مع شيء من المصداقية، ليأتي بعده الاجتهاد بالرأي، مع طلب الهداية من الله عز وجل، حتى لا يقودنا سوء الفهم السياسي لخطأ أكبر.