مال وأعمال
«S&P»: الإصلاح في الكويت بطيء ومعّقد.. وقد نخفّض التصنيف السيادي

أكدت وكالة ستاندرد آند بورز (S & P) التصنيف الائتماني السيادي للكويت عند المرتبة (-AA) مع نظرة مستقبلية سلبية، في ضوء استمرار نفاد المصدة السائلة للمالية العامة.
وتوقع تقرير صادر عن الوكالة أمس اتساع عجز الموازنة العامة للكويت إلى نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020/2021 مقارنة بعجز يقارب 10% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019/2020، بينما يقترب المصدر الرئيسي لتمويل الموازنة العامة، وهو صندوق الاحتياطي العام من النضوب.
وأشارت الى انه لا يزال زخم الإصلاح الأوسع بطيئا ومعقدا بسبب علاقة المواجهة بين مجلس الأمة والحكومة.
ومع ذلك، فإن إجمالي المدخرات الحكومية المتراكمة للكويت لا يزال كبيرا بما يزيد على 500% من الناتج المحلي الإجمالي.
آفاق التصنيف
وقالت الوكالة ان النظرة السلبية للتصنيف تعكس في المقام الأول المخاطر على المدى القصير والمتوسط، الناشئة عن ضغوط المالية العامة، المتمثلة في النفاد المتوقع للمصدر الرئيسي للتمويل الحكومي «صندوق الاحتياطي العام»، في حين لم توضع حتى الآن ترتيبات بديلة لتمويل عجز الموازنة.
كما يعكس التصنيف المخاطر متوسطة الأجل نتيجة التقدم البطيء في الإصلاح الهيكل يفي الكويت مقارنة مع الحكومات الإقليمية الأخرى.
وكشفت الوكالة أن هناك إمكانية لتخفيض التصنيف الائتماني السيادي للكويت خلال الأشهر الـ 6 الى الـ 12 المقبلة إذا بقيت الترتيبات المؤسساتية تمنع الحكومة من إيجاد حل مستدام طويل الأجل بشأن احتياجاتها التمويلية.
وفي ظل السيناريو الأصعب، قد تؤدي الاستجابة غير الكافية للسياسات الى ترك الكويت في مواجهة قيود مالية صارمة على الميزانية، مما قد يؤدي الى تعديلات غير منظمة للإنفاق العام التي يمكن ان تلحق بالاقتصاد الكويتي أضرارا طويلة الأجل.
ورأت الوكالة أن هناك أيضا إمكانية لتخفيض التصنيف إذا ظلت جهود الإصلاح بطيئة، مثل تأخر إدخال الضرائب وتغيرات سوق العمل، وتدابير تنويع الاقتصاد، مما يزيد من الأعباء على مؤشرات المالية العامة على المدى المتوسط.
وأشارت الوكالة الى إمكانية إعادة النظر في تغيير النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني السيادي للكويت من سلبية الى مستقرة، إذا عالجت السلطات بسرعة الضغوط المالية وقيود التمويل بالتوازي مع برنامج إصلاحات هيكلية يعزز الفعالية المؤسساتية وتحسين الآفاق الاقتصادية طويلة الأجل.
مبررات التصنيف
ولفتت الوكالة إلى أن النظرة السلبية جاءت مدفوعة بالمخاطر الناجمة عن استمرار استنفاد صندوق الاحتياطي العام، باعتباره المصدر الوحيد لتمويل عجز الموازنة منذ انتهاء أجل قانون الدين العام في أكتوبر 2017، وترددت السلطات في السحب من صندوق احتياطي الأجيال القادمة الأكبر بكثير، والذي تم تأسيسه تحسباً لنضوب الاحتياطيات النفطية على المدى الطويل.
وعلى مدى الأشهر الماضية، نفذت السلطات بعض الإجراءات التي يمكن ان تكسب وقتا إضافيا، ولكن تبقى هذه الإجراءات غير كافية لسد فجوة التمويل.
وفي إطار استمرار الوضع الحالي فإن صندوق الاحتياطي العام سيكون بدون أي سيولة في الأشهر المقبلة. وقد يتفاقم هذا الوضع مع اقتراب نهاية السنة المالية.
وأضافت «ستاندرد آند بورز» انه الى جانب الضغوط المالية الحالية، تسلط النظرة السلبية الضوء أيضا على المخاطر الناجمة عن عدد من المشكلات الهيكلية التي سيتعين على الكويت التعامل معها على المدى المتوسط.
وحتى لو تم تبني قانون الدين العام في نهاية المطاف، فإن حجم العجز المالي الذي تتوقعه الوكالة حتى 2024 يعني ضمنيا ان الإذن بالاقتراض بموجب القانون (الذي كان مقترحا سابقا بمبلغ 20 مليار دينار) يمكن ان يستنفد في غضون 3 سنوات تقريبا.
وعلى هذا النحو، من المرجح ان تطفو المشاكل الحالية على السطح. ويمكن ان يشمل الحل المستدام على المدى الطويل برنامجا أكثر شمولا للإصلاحات والتصحيح المالي، بما في ذلك خفض الدعم، وسد ثغرات الإنفاق، وإدخال ضرائب جديدة.
وتوقعت الوكالة ان يكون الاتفاق على برنامج إصلاح كهذا صعبا على الأرجح بسبب طبيعة العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة.
ومع ذلك، ترى الوكالة ان التصنيف الائتماني السيادي للكويت لا يزال مدعوما بالمستويات المرتفعة من الاحتياطيات المالية والخارجية المتراكمة.
وأشارت الوكالة الى ان تصنيفها الائتماني السيادي للدولة مقيد بسمة التركز (Concentrated Nature) في الاقتصاد، والضعف النسبي في القوة المؤسساتية مقارنة مع أقرانها في التصنيف من خارج الإقليم. ونظرا لهذا الاعتماد الكبير على قطاع النفط، تنظر الوكالة الى اقتصاد الكويت على انه غير متنوع.
الملف المؤسساتي والاقتصادي
وقالت الوكالة ان ركود الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المتوقع في 2021 يأتي في أعقاب الانكماش الاقتصادي العميق الناجم عن الجائحة كورونا في 2020 ويعكس استمرار تخفيضات إنتاج النفط المتفق عليها في اتفاقية (أوپيك+)، كما يعد التأثير المباشر لجائحة كورونا عاملا آخر لا يزال يعوق الأداء الاقتصادي للكويت، حيث طبقت السلطات في العام الماضي عددا من القيود لتحقق التباعد الاجتماعي، واعتمدت منذ ذلك الحين نهجا أكثر تدرجا لتخفيفها مقارنة بالبلدان الأخرى.
ونتيجة لذلك، لم تشهد البلاد موجة ثانية من الجائحة، وإلى جانب ذلك، بدأت السلطات خطة لتوزيع اللقاح من فيروس كورونا.
وعليه، توقعت الوكالة تعافي القطاعات غير النفطية جزئيا هذا العام. ومع ذلك، ترى الوكالة ان الأداء الاقتصادي العام سيكون في حالة ركود مدفوعا بانكماش إنتاج النفط.
كما توقعت ان يبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نحو 5.5% خلال 2022 و2023، وذلك مع انــتهاء تخفيـــضات «أوپيك+» وزيادة كميات الإنتاج النفطي للبلاد.
وأوضحت الوكالة ان الاستنزاف المستمر لصندوق الاحتياطي العام يشكل مخاطر، على الرغم من ان إجمالي أصول صناديق الثروة السيادية يتجاوز ما نسبته 500% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقدرت الوكالة صافي الأصول الحكومية العامة للكويت بنحو 540% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2020، وهي أعلى نسبة بين جميع الجهات السيادية المصنفة من قبل الوكالة.
ومع ذلك، فإن استمرار استنفاد صندوق الاحتياطي العام قد يعيق بشدة الموازنة العامة ولا يترك إلا خيارات محدودة للتمويل.
وتوقعت ان يبقى الدينار الكويتي مرتبطا بسلة عملات يهيمن عليها الدولار الأميركي.
كما توقعت كذلك ان يتسع عجز الموازنة العامة للدولة ليصل الى ما نسبته 30% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2020/2021، مشيرة الى ان الأصول السائلة المتوافرة في صندوق الاحتياطي العام لا تكفي لتغطية هذا العجز الكبير في الموازنة.
يذكر ان السلطات اتخذت بعض الإجراءات خلال الأشهر القليلة الماضية لمعالجة الوضع المالي للدولة، بما في ذلك تعليق التحويلات المالية السنوية الى صندوق الأجيال القادمة، وكذلك ضخ سيولة إضافية الى صندوق الاحتياطي العام عن طريق تحويل بعض الأصول الأقل سيولة الى صندوق الأجيال القادمة. ومع ذلك، فإن التدابير المعتمدة حتى الآن أقل بكثير مما هو مطلوب لسد الفجوة التمويلية للموازنة.
وأشارت الوكالة الى انها تتفهم ان بإمكان الحكومة نقل ملكية الشركات المملوكة للدولة، مثل مؤسسة البترول الكويتية، من صندوق الاحتياطي العام الى صندوق الأجيال القادمة لتخفيف الضغط المالي، لكن احتمالية تنفيذ هذه الخطوة والإطار الزمني لذلك غير واضحين.
قيود صعبة في الميزانية
ووفقاً للوكالة، يترتب على المأزق المالي المستمر الذي تمر به المالية العامة عديد من الآثار السلبية، بما في ذلك احتمال تعرض الكويت لقيود صعبة في الميزانية، والحد من الأموال التي يمكن توزيعها لدعم الاقتصاد أثناء الجائحة، وتقويض ثقة المستثمرين الأجانب.
ومن وجهة نظر الوكالة، فإن تمرير قانون الدين العام الجديد او تغيير هيكل ملكية بعض الشركات المملوكة للدولة مؤقتا لن يفعل شيئا يذكر لتخفيف الضغوط المالية متوسطة الأجل بشكل أساسي نظرا لحجم العجز الكبير في الموازنة.
وأشارت الى ان اتباع نهج أكثر واقعية يهدف الى تقليص الدعوم الحكومية المهدرة وزيادة الإيرادات العامة من خلال مصادر بديلة يمكن ان يوفر الاستقرار، ولكن لا يزال من الصعب جدا تحقيقه لأسباب سياسية.
ولفتت الى ان جائحة كورونا والانكماش الاقتصادي الناشئ عنها يشكلان بعض المخاطر على البنوك الكويتية. ومن المتوقع ان تؤدي بيئة الاقتصاد الكلي الضعيفة الى الضغط على جودة الأصول.
وتوقعت الوكالة زيادة القروض غير المنتظمة وتكلفة المخاطر الى ما يقارب الضعف في 2020 مقارنة بعام 2019. وقد رفعت البنوك مستويات المخصصات استعدادا لانتهاء تدابير التخفيف الرقابية.
ومع ذلك، نلاحظ ان النظام المالي الكويتي قد دخل في الانكماش الحالي في وضع قوي نسبيا، فعند بداية الجائحة كانت معدلات الرسملة قوية، ومستويات القروض غير المنتظمة منخفضة عند نحو 1.5%، ونسبة تغطية المخصصات للقروض غير المنتظمة كانت مرتفعة عند نحو 200%.
احتياطيات النفط تكفي لـ 100 عام
أشارت وكالة «ستاندرد آند بورز» الــى ان الكويت تعتبر ضـمن أكبر 10 منتجين للنـــفط الخـــام في العالم.
وبافتراض مستويات الإنتاج الحالية، تـــرى الوكالة ان إجمالي احتياطيات النفط المؤكدة تكفي لنــحو 100 عام، في حين ان تكلفة الإنتاج هي من بين أدنى المستويات على مستوى العالم.
ونظرا لهذا التركز الكبير، فإن الأداء الاقتصادي للبلاد سيظل مرتبطا بدرجة كبيرة باتجاهات الصناعة النفطية.
وتقدر الوكالة ان الكويت قد أنتجت في المتوسط نحو 2.43 مليون برميل يوميا في 2020، ونحو 2.4 مليون برميل في 2021، ثم سيزيد الإنتاج الى نحو 2.75 و3 ملايين برميل في عامي 2022 و2023، وأخيرا يبلغ نحو 3.1 ملايين برميل في 2024.
ونظرا لمستويات الإنتاج المتوقعة، تتوقع الوكالة ان ينكمش القطاع النفطي في 2021 مقارنة بعام 2020. كما تتوقع أن يبلغ متوسط سعر نفط خام برنت نحو 50 دولارا للبرميل في 2021 و2022 قبل ان يرتفع الى 55 دولارا للبرميل بعد ذلك.
%600 صافي الديون الخارجية
قدرت «ستاندرد آند بورز» ان يصل صافي الوضع الدائن الخارجي للكويت الى نحو 600% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية 2020، ما يجعلها من بين أقوى الدول التي حصلت على نفس التصنيف الائتماني.
وتوقعت ان يسجل الحساب الجاري لميزان المدفوعات عجزا بنحو 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2020 مقارنة بفائض بنحو 16.4% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، مما يعكس أسعار النفط وديناميكيات كميات الإنتاج.
وتوقعت ايضا ان يعاود رصيد الحساب الجاري تسجيل فائض بنحو 6% و7% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2023.
وحسب رأي الوكالة، فإن نظام النقد الأجنبي الكويتي أكثر مرونة – إلى حد ما – من تلك النظم الموجودة في باقي دول مجلس التعاون لدول الخليج الأخرى التي تحافظ على ربط عملتها بالدولار الأميركي وحده.
ووفقاً لبيانات نهاية نوفمبر 2020، زادت احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية ولم يلاحظ اي زيادة في تحويل المقيمين الى العملات الأجنبية، وبقيت دولرة ودائع المقيمين منخفضة عند نحو 6%.
%500 أصول الصندوق السيادي من الناتج المحلي بنهاية 2020
قالت «ستاندرد آند بورز» انه بالرغم من ان صندوق الاحتياطي العام يتناقص باستمرار، إلا ان حجم إجمالي أصول صندوق الثروة السيادي لا يزال كبيرا جدا وهو العامل الرئيسي الذي يدعم التصنيفات السيادية، كما لا توجد بيانات رسمية متاحة حول إجمالي الأصول الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار.
علاوة على ذلك، يحظر القانون على الهيئة مناقشة الحجم الدقيق لممتلكاتها. ومع ذلك، هناك عديد من الطرق التي يمكن من خلالها تقدير حجم صندوق الثروة السيادية.
وتشمل هذه الطرق تتبع الفوائض المالية التاريخية للموازنة العامة او متابعة تدفقات الحسابات المالية الخارجية في ميزان مدفوعات الدولة، وهي بيانات مالية متاحة للعموم.
ووفقا لهذه المنهجية، تقدر الوكالة إجمالي أصول صندوق الثروة السيادي بأكثر من 500% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2020.
المصدر: الأنباء الكويتية