مال وأعمال
عودة الحياة لطبيعتها وتخفيف القيود ينعشان ثقة المستهلكين بالكويت
من منطلق اهتمامها برصد الواقع الاقتصادي في الكويت، تصدر شركة «آراء للبحوث والاستشارات» مؤشرا شهريا لثقة المستهلك بالتعاون مع جريدة «الأنباء» وبرعاية شركة «لكزس».
ويعتبر مؤشر «ثقة المستهلك» المؤشر الوحيد الذي يقيس العوامل النفسية للمستهلك، مرتكزا على آراء الناس وتصوراتهم عن الوضع الاقتصادي الحالي والمستقبلي، وتوقعاتهم بالنسبة لأوضاعهم المالية، وانعكاس ذلك على قدراتهم الشرائية. ويصدر المؤشر في أول يوم أحد من كل شهر، وهو يرتكز على بحث أجري على عينة مؤلفة من 500 شخص، موزعة على المواطنين والمقيمين العرب في مختلف المحافظات. تم اجراء البحث بواسطة الهاتف من خلال اتصالات عشوائية، وتم مراعاة أن تكون العينة مماثلة للتركيبة السكانية في الكويت.
ويستند تقييم المؤشر العام لثقة المستهلك الى ست مؤشرات اعتمدها الباحثون في شركة آراء لقياس مدى رضا المستهلكين وتفاؤلهم وهي: مؤشر الوضع الاقتصادي الحالي، مؤشر الوضع الاقتصادي المتوقع مستقبلا، مؤشر الدخل الفردي الحالي، مؤشر الدخل الفردي المتوقع مستقبلا، مؤشر فرص العمل الجديدة في سوق العمل حاليا، ومؤشر شراء المنتجات المعمرة. وتستخلص نتائج كل مؤشر من المؤشرات الست بالاعتماد على إجابات أفراد العينة التي يحددها الاستبيان بـ «إيجابي» أو «سلبي» أو «حيادي».
يتم تحديد نتائج المؤشرات في الشهر الأساس كمقياس للحالة النفسية للمستهلكين في الكويت، وهي تساوي 100 نقطة، وتكون هذه النقطة (الرقم 100) الحد الفاصل بين التفاؤل والتشاؤم لدى المستهلكين، فكلما تجاوزها المؤشر، يكون الوضع النفسي للمستهلكين في الكويت يميل نحو التفاؤل أكثر فأكثر، وكلما تراجع المؤشر عنها في اتجاه الصفر تكون النظرة أكثر تشاؤما.
أصدرت شركة آراء للبحوث والاستشارات التسويقية مؤشرها لثقة المستهلك في الكويت لشهر أغسطس 2020، حيث سجل المؤشر العام 102 بإضافة نقطتين على مستواه الشهري السابق وبتراجع 3 نقاط على أساس سنوي.
وبالرغم من الظروف الضاغطة وغير المتوقعة وأهمية المستجدات المالية والاقتصادية التي فرضتها جائحة كورونا على الصعيد العالمي وما أدت اليه من انكماش حاد في التبادل التجاري والخدماتي، فإن الأصعب هو عدم قدرة مؤسسات البحوث المختصة من السيطرة حتى الآن على الوباء وعدم القدرة على تحديد حركته ومدى وفترة انتشاره.
هذا الواقع يعقد عملية الوصول الى الاستنتاجات المبنية على وقائع علمية لتحديد كيفية التعامل مع الوباء، ونوعية ومستوى تأثيره الاجتماعي، بما في ذلك على الثقة بالواقع وبالتوقعات المستقبلية في أوساط المستهلكين، ان هذه العلاقة «بين الوباء والثقة» لا تشكل ظاهرة محصورة في بلد ما بل أضحت ظاهرة عالمية.
هذا الواقع ينعكس إيجابا على نفسية المستطلعين في الكويت لشهر أغسطس، بحيث ارتفعت ثقة المستهلك في 5 مؤشرات، بينما تراجع معدل مؤشر فرص العمل المتوفرة في السوق حاليا. هذه الظاهرة الشمولية، التي توزعت على أرجاء العالم تترجم في كل بلد على حدة، بمظاهر متعلقة ببنية البلد الاقتصادية وملاءته المالية وغيرها من العوامل الرئيسية المؤثرة.
البلدان التي تعتمد بشكل رئيسي على قطاع السياحة وخدمات النقل، هي الأكثر تضررا من تداعيات كورونا، كذلك الدول المنتجة للنفط التي واجهت خلال هذا العام صعوبات جمة، وتحديدا في حجم حركة تصدير النفط من جهة وفي انخفاض أسعاره من جهة أخرى نتيجة الانكماش الحاد للإنتاج العالمي والحركة التجارية والخدماتية العالمية، مما انعكس سلبا على أسواق المال وفرض نسب عجز في الموازنات الحكومية غير مسبوقة، مثلا من المتوقع ان يلامس عجز موازنة الكويت للعام 2020- 2021 ما يقارب 14 مليار دينار.
وضمن هذه الأجواء استقر معدل المؤشر العام في أوساط المواطنين عند 112 نقطة، بينما منحه المقيمون العرب 94 نقطة بإضافة 4 نقاط على أساس شهري. أما على صعيد المناطق، رفعت محافظة الجهراء معدلها الشهري السابق للمؤشر العام الى 125 نقطة بإضافة 14 نقطة، ومحافظة الفروانية أضافت 10 نقاط، وحافظت العاصمة على معدلها السابق 101 نقطة.
هذه النماذج تشير الى ارتفاع مستوى ثقة المستهلك في الكويت في شهر أغسطس 2020 على قاعدة التحسن النسبي لأسعار النفط، واستجابة لانخفاض انتشار الجائحة وتخفيف الإجراءات الاحترازية الرسمية.
كورونا نفط واقتصاد
سجل مؤشر آراء للوضع الاقتصادي الحالي معدلا بلغ 94 نقطة مكتسبا 4 نقاط مقارنة بشهر يوليو المنصرم. مستفيدا من تراجع وتيرة انتشار جائحة كورونا في الكويت ومن الاتفاق التجاري الذي أقر بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصين. فضلا عن الارتفاع النسبي لأسعار النفط بحيث لامس سعر البرميل 46 دولارا، أي المستوى الأعلى منذ 5 أشهر.
أما على الصعيد الداخلي، فإن التوجه الرسمي هو لتخفيض الموازنة وتخفيض النفقات وترشيد الإدارة، حيث إن مؤسسة البترول ستقلص نفقاتها السنوية بحوالي 700 مليون دينار.
ويخيم هذا التوجه على مختلف المؤسسات والإدارات الرسمية في محاولة منها لتخفيض حجم العجز في الموازنة نسبة إلى الدخل الوطني.
ضمن هذه المتغيرات السريعة على كل الصعد، منح المواطنون مؤشر الوضع الاقتصادي الحالي 94 باكتساب ثلاث نقاط خلال شهر. بينما المقيمون العرب توقف معدلهم عند 77 نقطة بزيادة أربع نقاط.
اللافت تسجيل 3 محافظات معدلات عالية حيث أضافت محافظة الفروانية 21 نقطة، والجهراء 19 نقطة والعاصمة 6 نقاط.
تغلبت نفسية وثقة المستهلك في الكويت خلال شهر أغسطس 2020 على مختلف المعطيات الاقتصادية والمالية السلبية، حيث سجل المستطلعون معدلا لمؤشر الوضع الاقتصادي المتوقع مستقبلا 111 نقطة بإضافة 6 نقاط على رصيدهم لشهر يوليو الماضي.
إن انتقال المعدل من سلبي الى إيجابي، واجه جملة من المعوقات، سنشير الى بعض عناوينها:
٭ حجم العجز المتوقع وغير المسبوق في الموازنة.
٭ التوجه نحو تخفيض سعر برميل النفط الافتراضي في موازنة 2021- 2022 الذي قد يلامس 40 دولارا.
٭ الخلل في قانون العرض والطلب في أسواق النفط الذي قارب 2 مليون برميل يوميا لدول منظمة أوپيك الذي يتطلب اتخاذ قرارات سريعة لتخفيض الإنتاج في محاولة لإعادة التوازن إلى الأسواق.
هذه الوقائع وغيرها انعكست سلبا على أسواق المال، والقطاع العقاري، والتجاري، وأوجدت صعوبات في مسار الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ومع ذلك فإن المستهلكون اقتنصوا فرصة تقلص انتشار الوباء وتخفيف بعض الإجراءات لمواجهته، واستعدوا إلى الارتفاع النسبي لأسعار النفط وفك حركة الأسواق ولو نسبيا من عقالها، وعبروا عن تفاؤلهم بالأوضاع الاقتصادية المتوقعة مستقبلا.
انكماش حركة الائتمان
سجل مؤشر آراء لشراء المنتجات المعمرة 105 نقاط، بارتفاع خمس نقاط عن معدله الشهري، مع زيادة 16 نقطة عن معدله المسجل في شهر أغسطس 2019.
هذا الإقبال على شراء المنتجات الاستهلاكية تحقق بالرغم من انكماش حركة الائتمان الاستهلاكي تحت ضغط الأجواء التي فرضها وباء كورونا، لذلك بمجرد انخفاض انتشار الجائحة وتخفيف إجراءات الوقاية، أقلعت حركة السوق الاستهلاكي وارتفع مستوى الشراء على أساس شهري وسنوي.
ملاحظ تحفظ الوافدين في الشراء، حيث سجل 57 نقطة، مقابل 129 نقطة للمواطنين وهذا يعكس الواقع النفسي غير المستقر للوافدين وقدرتهم الشرائية.
الجهراء الأكثر ثقة بالدخل الفردي
سجلت مؤشرات «آراء» للدخل الفردي الحالي 92 نقطة، مضيفا الى رصيده السابق 11 نقطة. ويبدو أن مرحلة انتشار وباء كورونا، وما رافقها من إجراءات وهواجس، قد تركت معالمها على التفكير ونمط الحياة والقناعات، طالت الأفكار الجديدة عدة مفاهيم بما فيها موضوع الدخل وكيفية التعامل معه.
ومن الطبيعي أن تتأثر تلك المتغيرات بطبيعة المهنة ونوع العمل وشروطه وضماناته. لذلك برزت فروقات واضحة حول هذا الموضوع، بحيث منح المواطنون معدل بلغ 125 نقطة لمعدل الدخل الفردي الحالي لشهر أغسطس، بزيادة سبع نقاط، بينما توقف المعدل في أوساط المقيمين العرب عند 36 نقطة فقط، عاكسا بذلك قلقهم على دوام العمل واستمرارية المداخيل في مواجهة كورونا.
من الملاحظ في التبدلات الفكرية، ارتفاع مستوى تحويلات الوافدين مقابل ارتفاع مستوى الودائع المصرفية للمواطنين.
اللافت مستوى تعزيز محافظة الجهراء لمعدل الدخل الفردي الحالي، حيث سجلت معدلا بلغ 126 نقطة بإضافة 53 نقطة خلال شهر.
بينما تراوحت زيادة معدلات المحافظات الأخرى بين 27 نقطة لمحافظة حولي و13 نقطة للفروانية، وتراجع من جهة أخرى معدل العاصمة نقطتين.
الجدير بالذكر ارتفاع مستوى رضى الشباب 18- 35 سنة على مؤشر الدخل الفردي الحالي باكتساب 11 نقطة خلال شهر.
يمكن تلخيص الموقف من المداخيل الفردية الحالية بتنوعها وميلها الغالب نحو التعميم الإيجابي، بفعل انخفاض مستوى انتشار الجائحة، وتخفيف الإجراءات التي أعطت فسحة من الراحة النفسية لمختلف الفئات.
ذوو المداخيل المرتفعة.. قلقون
سجل مؤشر آراء للدخل الفردي المتوقع مستقبلا 105 نقاط بتراجع نقطة واحدة خلال شهر، مستقرا عند معدله السابق المسجل في شهر أغسطس 2019، بذلك يكون هذا المؤشر واجه جائحة كورونا وتداعياتها، كما صمد في وجه الانخفاض غير المسبوق لأسعار النفط وكنتيجة مباشرة للانكماش الاقتصادي العالمي، والخسائر الجسيمة التي تكبدتها جملة من القطاعات الاقتصادية والتي ارتدت سلبا على أسواق المال فضلا عن انتشار البطالة عن العمل في مختلف القارات والبلدان.
يمكن اعتبار أن استقرار معدل مؤشر الدخل الفردي المتوقع مستقبلا في الكويت، أتى حصيلة التحفيزات المالية الحكومية لبعض القطاعات الاقتصادية لبعض الفئات الاجتماعية، كما اعتمدت على قاعدة صلبة، الملاءة المالية واستقرار سعر صرف الدينار الكويتي.
استقر المعدل عند المواطنين عند مستواه الشهري السابق، وتراجع ثلاث نقاط بين المقيمين العرب.
الملاحظ التراجع الحاد لمستوى معدل محافظة حولي، الذي خسر 27 نقطة من رصيده الشهري السابق.
كما تراجع معدل ذوي المداخيل الفردية العالية بـ 47 نقطة.
إعادة تشكيل سوق العمل
تراجع معدل مؤشر فرص العمل المتوفرة في السوق حاليا، إلى 115 نقطة بخسارة 20 نقطة من رصيده السابق، وبارتفاع عشر نقاط على أساس سنوي. وتضافرت جملة من العوامل في مسار سوق العمل خلال السنوات الأخيرة الماضية، لعل أبرز عناوينها:
٭ التركيز على سياسة تكويت القوى العاملة وزيادة حجمها بالنسبة لإجمالي العاملين في الكويت.
٭ بعد تراجع أسعار النفط، وضمن السياسة الرسمية لخفض النفقات تبنت الهيئات الرسمية توجهات وأقرت حوافز لإنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة، كما شجعت المواطنين للعمل في القطاع الخاص.
٭ فضلا عن التطور في القطاعين الحكومي والخاص الذي تطلب مؤهلات وقدرات للقوى العاملة لا تؤمنها بنيتها الحالية في الكويت.
كذلك فإن مطالب عدة ودراسات علمية ومراجع، طالبت بإلغاء النظام المتعلق بشروط عمل العمالة الوافدة، لتطويره وتحديثه ورفع مستواه، حيث يضمن نوعية عمالة تتوافق مع شروط ومستويات الكفاءات العلمية والمهنية التي تلبي حاجات سوق العمل في الكويت.
ومنذ مدة أصدرت غرفة الصناعة والتجارة وغيرها من مؤسسات الإنتاج بيانا عن ضرورة إلغاء الأنظمة القائمة حاليا وتطويرها بما يتلاءم مع القوانين المحلية والدولية من جهة ورفع مصلحة التطور الاقتصادي الكويتي وحماية مستوى معيشة وشروط عمل القوى العاملة في الكويت.
المصدر: الأنباء الكويتية