مقالات وكتاب
الكنيسة والخمار!
د.عصام عبداللطيف الفليج
يروى أنه في قرية صغيرة محافظة في مدينة غربية؛ قرر رجلُ أعمال أن يفتح خمارةً بجانب الكنيسة، فبدأ رُوادُ الكنيسة حملةً ضد الخمارة وصاحبِها، بإرسال خطابات استنكار ورفض إلى البلدية، وجمع التوقيعات لأجل ذلك، ومراسلة وسائل الإعلام، والدُّعاء على الخمارة وصاحبها كل ليلةٍ في الكنيسة.
ورغم ذلك هذه الحملة الشرسة؛ استمر التاجر في البناء وهو واثق من نفسه، والمفاجأة التالية أن البلدية لم تستجب لهم. فاستمر التاجر في العمل، وتقَدم بناء الخمارة.
وعندما أوشكت أعمال البناء على الانتهاء، وكانت الحانة على وشك أن تفتح أبوابهَا، بَرِقَت السماء، وزمجر الرّعد، وانهال المطر،وضربتْ صاعقةُ مبنى الحانة، فدكّته دكّا.
احتفل أعضاءُ الكنيسة بانتصار الربّ لهم، وإجابتِه لدعائهم على الخمّارة.
فما كان من صاحب الخمارة إلا أن رفع دعوى قضائية ضد الكنيسة وأعضائها، وطالب تعويضاً بـقيمة مليوني دولار، على أساس أن الكنيسة بدعائها على الخمارة؛ كانت مسؤولةً عنْ زوال مبنى الحانة، بشكل مباشر أو غير مباشر.
إلا أن الكنيسةُ أنكرتْ بشدة في المحكمةمسؤوليتها عن ذلك، ونفَتْ كل علاقةٍ بين صلواتها وزوال الحانة، مستدِلّةً بدراسة علمية من جامعة عريقة أكّدت ْ أن لا تأثير للصّلاة والدّعاء على مُجْرياتِ أُمور الدُّنيا.
نظرَ القاضي في الأمر وقد أخذته الحيرة، وقال عند النطق بالحكم: “لا أعرف كيْفَ سأحْكُمُ في هذه القضية، ولكن يبدو من الأوراق أن لديْنا خَمارًا يؤمن بقوة الصّلاة والدُّعاء، ولديْنا مجْمعًا كنسيًا بأكمله لا يُؤْمن به”!!
هذه القصة اللطيفة (التي لا أعلم مدى حقيقتها) تبين حجم التناقض الذي يعيشه العالم في قيمه وإيمانه ومعتقداته، وإليكم بعض النماذج:
• أدان العالم مرارا “داعش” و”kkk” و”القاعدة” لقتلهم الأطفال والأبرياء بلا رحمة، ويسكتون أمام مجازر الكيان الصهيوني!
• في الوقت الذي يطالب فيه بعضالليبراليين المسلمين بنشر الاختلاط بين الجنسين في مواقع مختلفة، تشيد الأمم المتحدة بمنع الاختلاط بالمكسيك لمنع التحرش، وتطالب بعض الجامعات الغربية بمنع الاختلاط بين الطلبة للتركيز على الدراسة!
• يرى العالم الغربي في “الأزهر” مؤسسة تنصر المسلمين في العالم، ويرى قادة “الأزهر” عدم الدخول في السياسة!
• أدان العالم الغربي أحداث “رابعة” والمجازر التي تمت حينها، وأجاز بعض المشايخ ذلك الفعل باسم الضبط، وأنهم خوارج (اضرب بالمليان نموذجا)!
• أيدت بعض القيادات الإسلامية الانقلابات العسكرية على ثورات الربيع العربي (الشعبية) باعتبارها ثورة معاكسة، ثم منع العسكر أولئك القادة المؤيدين لولي الأمر الجديد (المتغلب) من خطب الجمعة!!
• ينادي البعض بمواجهة إيران لدعمه الحوثيين، رغم أنه ساند في فترة ما الحوثيين لإضعاف حزب الإصلاح في اليمن!!
• تشدق البعض بقاعدة “ولي الأمر المتغلب” إذا كان صاحبهم، أو كانوا تبعه، وإذا اختلفوا معه أيدوا الخروج عليه!
• وصف بعض الأعمال (مزاجيا) بالإرهاب، ثم استضافة من يهاجم الدين، وينكر بعض أصول الدين!
• يهرول بعض قادة العرب إلى الكيان الصهيوني طلبا للتطبيع، وينتقد رئيس فنزويلا ذلك الانكسار!
• اعترف بعض قادة العرب (المسلمون) بالكيان الصهيوني، أما رئيس كوريا الشمالية (البوذي) فلم يعترف به!
القائمة طويلة ولن تنتهي، وما على أي قارئ سوى استحضار ذاكرته، وسيجد الكثير من تلك المتناقضات في حياتنا اليومية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، تلك التناقضات التي لا تقوم على مبدأ، سوى قاعدة الكنيسة والخمار، وما علينا سوى الدعاء لولي الأمر والحكام بالثبات والصلاح، فقد قال الفضيل بن عياض: “لو كانت لي دعوة مستجابة ما صيرتها إلا في الإمام، لأني لو جعلتها لنفسي لم تجاوزني، ولو جعلتها له كان صلاح الإمام صلاح العباد والبلاد”.