مقالات وكتاب
الجمل وأمريكا!

يحكى أن معلماً طلب من تلاميذه كتابة موضوع تعبير عن فصل الربيع، فكتب أحد التلاميذ “فصل الربيع فصل جميل ينبت فيه الزرع، يتغذى عليه الجمل، حيث إن الجمل يعيش في الصحراء، ويستطيع المشي على الرمل بسهولة ويسر، ويصبر على الجوع والعطش..”، وأكمل باقي الموضوع عن الجمل.
وفي حصة التعبير التالية طلب المعلم من تلاميذه كتابة موضوع عن صناعة السيارات في اليابان، فكتب نفس التلميذ: “السيارة في اليابان وسيلة انتقال، مثل الجمل في الصحراء وسيلة انتقال، حيث إن الجمل..”، وأكمل باقي الموضوع عن الجمل.
وفي حصة التعبير التالية طلب المعلم أن يكتبوا عن جهاز الحاسوب، فكتب نفس التلميذ: “الحاسوب جهاز مفيد، يوجد عند الناس في المدينة، ولا يوجد عند البدو، لأن البدو عندهم الجمل، حيث إن الجمل..”، وأكمل باقي الموضوع عن الجمل.
غضب المعلم وقرر إعطاءه درجة ضعيف في أعمال السنة، فكتب الطالب شكوى لمدير المدرسة كتب فيها: “لقد ظلمني معلمي ظلماً بيناً، وقد صبرت عليه صبر الجمل، حيث إن الجمل..”، وأكمل باقي الشكوى عن الجمل.
قصة متداولة تبين الانغلاق الفكري الذي يعيشه بعض الناس، فهو يتلقى ولا يفكر، وإذا وضع في باله موقفاً ما، ظل متشبثاً به طول حياته مهما ظهرت له من حقائق ومستجدات وأفكار ومعلومات، والمغالون منهم يتعاملون بطريقة “إذا خاصم فجر”، فيكرر نفسه وفكرته حتى الموت!
وبالتأكيد هؤلاء عالة على المجتمع، فهم في الغالب سلبيون ومحبطون ومزعجون ولا مبالين.
وعلق على هذه القصة أحد الكتّاب قائلاً: “هكذا حال الكثيرين، تكلمهم عن الحرب وتمزق المجتمع والارتهان للخارج، يقولون لك: الإخوان يجب محاربتهم لأنهم اضطرونا نكون مرتزقة للخارج!
تكلمهم عن الديمقراطية، يقولون لك: الإخوان يجب إقصاؤهم من الحكم!
تكلمهم عن الحرية والكرامة الإنسانية، يقولون لك: الإخوان يجب تصنيفهم إرهابيين!
تكلمهم عن التسامح والعدالة، يقولون لك: الإخوان يدعون في سرهم علينا، ويجب منعهم وحصارهم ومصادرة أموالهم وحقوقهم!
تكلمهم عن بناء الجيل والدولة الحديثة والتنمية والتعليم، يقولون لك: الإخوان عائق!
تكلمهم عن التمدد الإيراني في المنطقة، يقولون لك: الإخوان هم السبب!
نقول لهم: إن العالم يبحث عن عدو افتراضي لاستنزاف المنطقة وثرواتها، يقولون: إنهم الإخوان.
تكلمهم عن الجفاف والاحتباس الحراري، يقولون لك: الإخوان لا يصلون صلاة استسقاء مع الناس.
نعم.. فمن كثرة تداول مصطلح الإخوان في كل مكان ووقت ودون ضرورة، أصبح الطرح ممجوجاً، فكفاكم عكاً بالمجتمع، وشيطنة وتصنيف الآخرين، وظلمهم دون وجه حق”. (مقتبس بتصرف من مقال منسوب إلى البروفيسور أيوب الحمادي).
ولعلنا نلمس ذلك في حياتنا اليومية مثل هذه النوعيات والأطروحات، بسبب الانغلاق الفكري، والاستسلام لما تلقاه الفرد دون تمحيص، مع موافقة ذلك للهوى، فبعض الناس ليس له همّ سوى نقد الحكومة حتى على الصح، وآخرين ينتقدون البرلمان أياً كان، وهناك من يعلق مشكلات الدنيا على أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وإيران والأنظمة العربية والعسكرية، ويرمي بالمشكلات على علماء الدين والإخوان والصوفية والسلفية والوهابية والجامية والمدخلية، وحضر وبدو، وسُنة وشيعة.. إلخ، وكل هؤلاء لا تجد منهم سوى التنظير والتأطير والتعطيل، ولا تلمس منهم أي مبادرة أو فعل، بقدر ما تجد لديهم الإحباط.
ولست منكراً كل ما يقال، فبعضه فيه حق، وأحترم الرأي الآخر، ولكني مستهجناً أسلوب الانغلاق الفكري، وأسلوب تكرار وصف “الجمل” لكل حالة، وفق الهوى والميل والمصلحة الخاصة، لا بناء على الحق والباطل والمنفعة العامة.
لذا.. أدعو كل من يعيش سياسة “الجمل” المصطنعة إعلامياً واجتماعياً واتصالياً إلى التروي قبل الحديث وإبداء الرأي، وليجمع المعلومات ويقرأ ويطلع ويتابع ويسأل، وليكن محايداً ومنصفاً قدر المستطاع، وإن وجد الحق مع الآخر ولم يستطع أن يتكلم لثقلها على نفسه؛ فلا يتكلم بالسلب، “فليقل خيراً أو ليصمت”.
وأخيراً.. اعلموا عباد الله أن كل بلاوي الدنيا بسبب أمريكا، لأن أمريكا عندها طائرات ودبابات، وربعنا ما عندهم إلا الجمل، حيث إن الجمل..”!