مقالات وكتاب

من أعلام الوقف في السودان و مصر

سعادة محمد علي باشا
(1184 – 1265هـ = 1770 – 1849م)
( واقف، وقيادي في مجال العمل الوقفي )

بقلم: د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي الامين العام السابق للأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت

هو: محمد علي بن إبراهيم أغا بن علي، المعروف بمحمد علي الكبير، المولود عام 1184هـ الموافق عام 1770م، في مدينة “قولة” الساحلية الواقعة شمال اليونان حالياً، من أصول ألبانية، كان أبوه ضابطاً ورئيساً لخفر الشوارع في المدينة، تُّوفى والده وهو في الرابعة من عمره، فأخذه عمه “طوسون أغا” حاكم “قولة” لتربيته والعناية به، ولكنه مات هو الآخر تاركاً ابن أخيه وحيداً، فكفله أحد أنصار أبيه ومحبيه المخلصين، فألحقه بسلك الجندية العثمانية، وهو لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، أبدى شجاعة وبسالة لفتت نظر الدولة العثمانية التي قررت الاستعانة به مساعداً لقائد كتيبة توجهت لمصر لطرد الفرنسيين منها، وسرعان ما تولى قيادة الكتيبة بعد عودة قائدها لليونان. في عام 1220هـ الموافق عام 1805م اختاره المصريون والياً على مصر، استطاع في فترة قصيرة أن يصل بمصر إلى مرحلة الاستقرار السياسي لأول مرة تحت ظلال الخلافة العثمانية، فقضى على المماليك عام 1226هـ، الموافق عام 1811م، في مذبحة القلعة الشهيرة حيث كانوا مصدراً للقلاقل السياسية في البلاد.
أسس المدارس الحربية لتكون نواةً لجيش مصر الحديث، الذي استطاع إخضاع كل من الحجاز ونجد، وذلك من خلال حملة قادها ابنه طوسون، انتهت بانتصاره عام 1230هـ الموافق عام 1815م، كما أخضع الشام لإمرته عام 1249هـ الموافق عام 1833م، وأرسل ابنه إسماعيل لفتح السودان، لكنه قُتل، فأكمل صهره، “أحمد بك” الحرب حتى دانت له معظم الأراضي السودانية. اعتنى بشؤون البلاد الداخلية، فأصلح الشؤون الزراعية، حيث أتى ببذور القطن لزراعتها في البلاد، ومد الترع، وأكثر من زراعة الأشجار، وأنشأ القناطر الخيرية، ومرفأ الإسكندرية، وأحضر إليه السفن من فرنسا والبندقية، ورغم أنه كان أمياً، حتى تعلم القراءة في الخامسة وأربعين من عمره، لكنه يُعد باني مصر الحديثة، حيث استطاع أن يرتقي بها، تعليمياً، وسياسياً، واقتصادياً، فأنشأ المدارس في الداخل، وأرسل البعثات التعليمية للخارج، وألَّف مجلساً للمعارف، وأنشأ المطابع، حيث حلت مطبعة بولاق الأهلية محل المطابع الفرنسية التي حملها الفرنسيون معهم وقت خروجهم من مصر عام 1801م، وقد لعبت تلك المطبعة دوراً ثقافياً مهماً في العالم العربي والإسلامي، حيث تولت طباعة العديد من المؤلفات العربية الأساسية، بالإضافة إلى العديد من المؤلفات الأوربية سواء العلمية أم الأدبية، بالإضافة إلى طباعة أول مجلة رسمية تحت اسم “الوقائع المصرية”، وفي عهده تُرجمت العديد من الكتب النافعة من شتى اللغات إلى اللغة العربية.
قام بالعديد من التعديلات في نظام حيازة الأرض، حيث تم القضاء على نظام الالتزام وإنشاء نظام الاحتكار، الذي حول ملكية الناس للأرض إلى مجرد حق انتفاع بها، الأمر الذي أعاق حرية الوقف على الواقفين، كما أصدر قراراً عام 1262هـ الموافق عام 1846م بمنع إنشاء الأوقاف، وذلك بناء على فتوى من مفتي الحنفية آنذاك الشيخ محمد الجزايرلي، وذلك من باب سد الذرائع إلى الفساد وسوء استخدام بعض الناس للوقف، مما أدى إلى وصول الأوقاف إلى أدنى مساحة لها في عهده، غير أن تلك الإجراءات قد اقتصرت على الأوقاف غير الصحيحة في الأراضي الخراجية، أما بقية الأوقاف فلم يمسسها بسوء، وهي لا تنفي حقيقة اقتناع محمد علي بأهمية الوقف وجدواه بدليل ما سنذكره حالاَ من أوقافه الضخمة، وخاصة وأن بعض هذه الأوقاف كانت على روح ابنيه اللذين فقدهما في حياته، مما يصعب تفسيرها إلا تفسيراً إنسانياً، وهو ما دفع بنا إلى ذكره ضمن أعلام الوقف رغم بعض قراراته التي رأى البعض أنها لم تكن في صالح الوقف.

إسهاماته في مجال الوقف والعمل الخيري:
– أنشأ مسجداً، ومدرسة، وكتاباَ لتحفيظ القرآن الكريم، وكتبخانة ( كلمة تركية بمعنى المكتبة أو دار الكتب ) ، في مسقط رأسه “قولة” عام 1232هـ الموافق عام 1817م.
– وقف جزيرة طاشوز (طاسوس) في “قولة” عام 1228هـ الموافق عام 1813م، وهي الجزيرة التي آلت إليه بموجب منحة سلطانية من السلطان محمود الثاني، مكافأة له لانتصاره على الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية.
– أنشأ العديد من الأسبلة بمحافظة القاهرة، منها سبيل بمنطقة الغورية عام 1231هـ الموافق عام 1815م، وآخر بمنطقة العقادين عام 1236هـ الموافق عام 1820م، وسبيلاً بمنطقة النحاسين عام 1236هـ الموافق عام 1820م، وبنى فوق كل سبيل منهما كتاباً لتعليم الأطفال، وأمر ببناء السواقي لنقل الماء إليها.
– أصدر أمراً عام 1252هـ الموافق عام 1836م بمراجعة شروط الوقفيات، ومعاينة المباني الموقوفة المتخربة، وإلزام نظارها بترميمها من ريعها أو استبدالها.
– أنشأ تكية عام 1238هـ الموافق عام 1822م، في منطقة جياد بمكة المكرمة، كما أنشأ تكية في منطقة المناخة بجوار الحرم النبوي في المدينة المنورة عام 1243هـ الموافق عام 1827م، وذلك لإطعام الفقراء من الحجاج والمعتمرين والزائرين لبيت الله الحرام، ووقف عليهما قريتي “رأس الخليج” و”السوالم” بمحافظة الغربية بمصر، وذلك عام 1260هـ الموافق عام 1844م، بمساحة تقارب من الثلاثة آلاف فدان ، ولقد احتفظ محمد علي لنفسه بحق النظارة على التكيتين، وعلى ما وقفه لهما، على أن تكون للأرشد من أولاده من بعده إلى حين انقراض ذريته.
– كما وقف أراضٍ زراعية تزيد على عشرة آلاف فدان بمحافظة كفر الشيخ بمصر عام 1259هـ الموافق عام 1843م.
– أنشأ ديواناً عمومياً للأوقاف عام 1251هـ الموافق عام 1835م، وذلك لضبط حسابات الأوقاف، والمحافظة على حقوق الجهات الموقوف عليها، وتنظيم صرف مرتبات العاملين على تلك الأوقاف.
– أنشأ مسجداً عام 1261هـ الموافق عام 1845م في قلعة محمد علي بالقاهرة.

الوفاة:
تُوفي محمد علي باشا عام 1265هـ الموافق عام 1849م في الإسكندرية، ونقل جثمانه إلى القاهرة، ودفن في مدفنه الذي بناه في جامع القلعة، رحمه الله –تعالى– رحمة واسعة، وجعل أعماله في ميزان حسناته.

المصادر:
1. إبراهيم البيومي غانم، الأوقاف والسياسة في مصر، ط1، القاهرة، دار الشروق، 1998، ص 9–133، 191، 276–286، 308، 387–388.
2. إلياس زاخورة، مرآة العصر في تاريخ ورسوم أكابر الرجال بمصر، ط1، القاهرة، المطبعة العمومية، 1897، ص17–24.
3. حسام محمد عبد المعطي أحمد، حجة وقف محمد علي باشا على تكيتي مكة والمدينة، مجلة الروزنامة الحولية المصرية للوثائق، ع 1، 2003، ص3-4.
4. خير الدين الزركلي، الأعلام، ط15، بيروت، دار العلم للملايين، 2002، ص298-299.
5. سمير عمر إبراهيم، الحياة الاجتماعية في مدينة القاهرة خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص109-110.
6. عبد الرحمن الرافعي، عصر محمد علي، ط5، القاهرة، دار المعارف، 1989، ص527– 534.
7. عبد الرزاق البيطار، حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، ط2، بيروت، دار صادر، 1993. ج3. ص1240-1242.
8. محمد حسام الدين إسماعيل، مدينة القاهرة من ولاية محمد علي إلى إسماعيل، 1805-1879، ط1، القاهرة، دار الآفاق العربية، 1997، ص113–119.

:المرجع
معجم تراجم أعلام الوقف ج2
إصدار الأمانة العامة للأوقاف في دولة الكويت

إغلاق
إغلاق