أخبار
تحذير من مساوئ طرح مزادات لإدارة أسواق وعقارات تاريخية
تفاعلاً مع قضية أملاك الدولة التي أثارتها القبس الأسبوع الماضي، والتي على إثرها تم عقد العديد من الاجتماعات الحكومية للخروج بحل ناجع لهذه المشكلة، واستمراراً مع هذا التفاعل، تلقت القبس العديد من المراسلات والاتصالات طوال الأسبوع الماضي، من فعاليات اقتصادية ومستثمرين، بل حتى من رواد لأسواق الديرة.. لكن الأكثرية منها كانت تتعلق بجزء من القضية المثارة، وهو سؤال استباقي لمصير هوية المجمعات التجارية في وسط الحي التجاري الحيوي بقلب العاصمة الكويت، بعد المزادات المترقبة عليها، وما مصير المستثمرين وأصحاب المشاريع والمحال التجارية؟
نقل العديد من المتعاقدين مع الشركات التي تدير المجمعات الواقعة وسط الحي التجاري مخاوفهم إلى القبس، إذ من المتوقع في المستقبل ان يكون مصيرهم شبيهاً لمصير أصحاب محال «أسواق تدار الآن من شركات فازت بها بالمزاد»، حيث قام المتعاقد الجديد برفع القيمة الإيجارية للمحال بأسعار مضاعفة على ما كنت عليه في السابق، مما ساهم في ظهور غضب شعبي كبير تضامناً مع التاريخ الجميل للمكان، ورفضاً للفوضى التي عمت بسبب إضراب عدد من أصحاب المحال الرافضين لزيادة الأجرة عليهم.
يقول أحد المستثمرين: من المتوقع مع طرح هذه المجمعات التجارية مستقبلا في مزادات علنية سيكون الأثر الكبير على المستهلك والمستأجر، فالمالك السابق اوحتى الجديد في حال تم عمل مزايدة وفاز فيها أيا كان سيقوم برفع الإيجارات، على اعتبار ان المستثمر دفع قيمة كبيرة مقابل الفوز فيها، مما يترتب عليه رفع الإيجارات بالتبعية بأرقام مضاعفة، وعليه سيقوم المستثمرون برفع الأسعار على الزبائن، أو ترك المكان لمؤجر آخر قد لا يكون لديه نشاط يواكب المحال ذات الطابع الشعبي، على اعتبار ان تلك المهن لها خصوصيتها، اذ ان غالبية المحال ذات النشاط والحرف الشعبية متوارثة من الأجداد الى الآباء وصولا للأبناء.
مشاريع صغيرة قد تتدمر
وعلى ذات صلة يقول احد أصحاب المشاريع الصغيرة انه يتخذ لشركته الصغيرة مقرا في احد المجمعات المملوكة للدولة والتي يديرها القطاع الخاص في العاصمة التجارية، وأضاف: من خلال الشركة المديرة قمت استئجار مكتب مناسب بقيمة بسيطة جدا يتناسب مع طبيعة تجارتي، وتعتبر الإيجارات التي تقدمها الشركات المطورة مناسبة جدا، وهذه القيمة الايجارية المنخفضة تعتبر تشجيعاً للمشاريع الشبابية الكويتية الصغيرة، كما انها تعتبر دعماً من الدولة لهم من خلال الشركات المديرة والمطورة لهذه المجمعات التجارية.
وأشار الى انه إذا طرحت هذه المجمعات في مزادات علنية بالتأكيد سيتم رفع أسعار الإيجارات على الأقل %300 وهذا الامر فيه «خراب بيوت» بالنسبة لعدد كبير من الشباب الكويتي الذي لديه مكتب اومحل تجاري أو مطعم يمارس فيه نشاطه التجاري في هذه الأماكن، اذ ان الأرباح التي يتم تحقيقها اليوم، سيتم تحويلها لدفع هامش الفرق الجديد من الإيجارات، مما سيترتب عليه إغلاق تجارة البعض وبالتالي تسريح العمالة وانتكاسات أخرى.
وأضاف: حتى لو صمد البعض واضطر الى رفع أسعار منتجاته او خدماته على عملائه، بالتأكيد لن يكون الامر سهلا، على اعتبار ان السوق فيها منافسة شرسة والخيارات كبيرة للعملاء، اذ ان العميل على استعداد ان يتخلى عن التعامل مع نقطة البيع او مقدم الخدمة الذي يرفع الأسعار عليه.
الإيجارات الحالية مناسبة
وأكد ان القيم الإيجارية الحالية لأملاك الدولة التي يديرها القطاع الخاص تتناسب مع الانشطة التجارية الموجودة والوضع الاقتصادي في الكويت، ومن الحصافة التفاوض مع المستثمر الحالي على قيمة إيجارية معقولة تتناسب مع المعمول بالنسبة للأسواق ذات الطبيعة التراثية أو الشعبية، وبالتالي يتحقق الهدف الذي تريده الدولة من زيادة دخلها، ولا يتأثر السوق تحت صدمة الرفع الفاحش المتوقع للايجارات، والتي ستؤدي حتما الى هجر رواد احدى اقدم أسواق الخليج.
الدول تحافظ على تراثها
تقول شخصية اقتصادية معنية انه يؤيد التطوير في العاصمة الكويت، لكن المجمعات والأسواق التجارية القديمة يجب عدم المساس بها، اذ أصبحت نوعا من أنواع الإرث، وأي عملية تطوير بهدف وحيد هو جني المال أكثر قد تفقدها رونقها واصالتها، مشيرة الى ان دول العالم المتحضرة تصرف مئات الملايين للمحافظة على تراثها ومعالمها السياحية والمهن الحرفية البسيطة التي قامت عليها تجارة الدولة في السابق، لكن في الكويت تسير الأمور بشكل عكسي، اذ تركت الدولة مئات الأراضي المهملة والضائعة على امتداد الدولة، وتنوى طرح تراثها في مزادات علنية يدخلها المضاربون العقاريون حتى تنشب من ورائها حرب رفع أسعار للمتر التأجيري، خصوصاً ان بعض المضاربين العقاريين المتربصين لمثل هذه العقارات العتيدة لا يمتلك الخبرة الكافية لإدارة مرفق تجاري، وكل هدفه المال ومضاعفة أرباحه.
الترويج السياحي للدولة
وسألت مصادر معنية عما تريد الحكومة من أسواق تراثية قديمة؟ هي أساسا تقوم بالترويج للدولة وتسهم في تنشيط الاقتصاد المحلى خصوصاً فيما يخص محال التجزئة البسيطة التي يمتلكها مواطنون وأسر كويتية بعضهم ورثها عن أجداده.. وبدلاً من البحث عن طريقة لزيادة دخل الدولة بطرق بديلة أخرى، نجدها تبحث عن مليونين أو ثلاثة سنوياً من هذه المجمعات دون الاكتراث بالإنعكاسات التي سوف تأتي من ورائها.
وأكدت ضرورة ان تقوم الحكومة بالمحافظة على المحال التراثية والحرفية البسيطة التي تعتبر هوية تارخية لدولة الكويت، ومعالم تراثية سياحية تعتبر قبلة للزائرين من المواطنين والمقيمين، أو حتى زائري الدولة من مواطني دول مجلس التعاون والوفود الأجنبية والعربية.
وشددت على ان الحكومة يجب عليها ان تبحث عن مكامن الهدر والفساد في العقود والأوامر التغييرية وغيرها من المجالات التي يرتع فيها الفساد، وليس البحث عن طرق لقطع ارزاق أصحاب المحال البسيطة والعمل على اندثار مهن قديمة تعبر عن تاريخ الدولة.
وقالت: الأمر في الكويت غريب.. إذ تقوم الدولة بضخ مئات الملايين لإحياء مشروع المدينة الترفيهة وهو بلا شك معلم سياحي مهم، لكن في المقابل تسعى لقتل معالم تارخية أخرى منتجة على أرض الواقع.
الكرة في ملعب الحكومة
يقول مصدر قانوني: طالما الكرة الآن في ملعب الحكومة ممثلة بوزارة المالية وبلدية الكويت في ما يخص مزادات أسواق الديرة المرتقبة، فعليها ان تبحث عن مخرج يحافظ على جاذبية المكان، ويحصن ارزاق المستثمرين، وكذلك المحافظة على المال العام، قبل ان تكون الكلمة للمستثمر الجديد الذي من الطبيعي لن يكون مهتماً الا بتعويض الأموال التي دفعها في المزايدة للفوز بحق الانتفاع لإدارة المجمع التجاري المطروح.
منطقة تراثية يجب عدم العبث
بها يشدد أحد رجال الاعمال على ضرورة تحصين منطقة أسواق الكويت الحيوية في قلب العاصمة من أي تغيير، حفاظاً على التراث في هذه المنطقة، بل يجب أيضا تسجيل هذه المباني في سجل التراث العالمي مثلما فعلت شركة إدارة الموافق العمومية الكويتية عندما تقدمت بطلب الى المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب بتسجيل ساحة الصفاة والسوق المركزي للذهب في سجل لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو).
عتب خليجي نابع من محبةٍ على إرث الكويت
يقول مصدر متابع: ليرجع المعنيون بأملاك الدولة الى الصحف المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي خلال ازمة اضراب المؤجرين في في احدى الأسواق التي فازت بها شركة بالمزاد، كان هناك غضب شعبي، على اغلاق المحال، بل ان العتب أيضا وصل لنا من خارج الكويت، خصوصا من قبل اخوننا في دول مجلس التعاون، اذ قام عدد كبير منهم بامتداح المنطقة التجارية الحيوية في قلب العاصمة، ويطالب عدم المساس بها، لأنها قبلة لهم عند زيارتهم للكويت، ومتنفس يستشعرون فيه عبق الماضي وبساطة الحاضر الخالية من تكلف وبهرجة.
(القبس)