أخبار رسمية

ممثل سمو أمير البلاد سمو رئيس مجلس الوزراء: جائحة كوفيد 19 مرآة للعالم عكست أوجه الضعف ومواطن الخلل التي تجلت في ارتفاع معدلات الجوع والفقر وطول أمد النزاعات

ألقى ممثل حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد- سمو الشيخ صباح الخالد رئيس مجلس الوزراء- كلمة الكويت أمام الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة بمقر المنظمة في نيويورك.
واستعرض سمو رئيس مجلس الوزراء في كلمته مواقف الكويت الداعمة لجهود التوصل إلى سلام عادل وشامل في مختلف القضايا الإقليمية، مشددا على ضرورة الحفاظ على سيادة الدول وحسن الجوار والاحترام المتبادل بما يعكس تطلعات الأمن والاستقرار لدول وشعوب المنطقة إضافة إلى محاربة الإرهاب بكل أشكاله وصوره.

كما جدد سموه التأكيد على موقف الكويت المتمسك بالنظام الدولي المتعدد الأطراف ومبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة بما يكفل تطوير وتعزيز الحوكمة الدولية لضمان تحقيق رسالتها السامية في حفظ السلم والأمن الدوليين وخدمة البشرية جمعاء.
وأشار سمو رئيس مجلس الوزراء إلى أبعاد انتشار ڤيروس (كورونا المستجد – كوفيد- 19) وما أحدثه من أضرار مست مختلف مناحي الحياة الحديثة والقطاعات الحيوية في العالم، معربا عن الأمل في قدرة المجتمع الدولي على التعافي من هذه الأزمة والوصول إلى مستويات التحصين الشاملة لكل الشعوب.

وقال سموه ان الكويت حققت إحدى أعلى النسب العالمية المسجلة في توفير اللقاحات، وذلك بنسبة وصلت إلى 72% للمواطنين والمقيمين على حد سواء، وكذلك القدرة في الحفاظ على منظومتها من التداعي، مؤكدا مواصلة البلاد تدعيم الجهود الدولية لمكافحة وباء (كوفيد – 19.)

وفيما يلي نص كلمة ممثل صاحب السمو الأمير: بسم الله الرحمن الرحيم معالي السيد عبدالله شاهد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، معالي السيد أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة أصحاب السمو والفخامة والمعالي رؤساء الوفود السيدات والسادة الحضور،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يطيب لي بداية أن أتقدم بالتهنئة لشخصكم الكريم ولجمهورية المالديف الصديقة لانتخابكم رئيسا للدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة، مؤكدا لكم دعمنا الكامل لكل ما من شأنه تسهيل مهام أعمالكم.
وأود كذلك في هذه المناسبة أن أعرب عن خالص الامتنان للجهود المقدرة التي بذلها سلفكم سعادة فولكان بوزكير إبان توليه مهام رئاسة الدورة السابقة.

ولا يفوتني في هذا المقام تقديم التهنئة لمعالي السيد أنطونيو غوتيريش لإعادة انتخابه أمينا عاما للأمم المتحدة، والذي أتى اعترافا بجهوده المشهودة في قيادة هذه المنظمة العريقة خلال فترة ولايته الأولى التي شهدت سنتها الأخيرة تحديا تشعب في أبعاده وتعمق في حجم أخطاره واستفحل بغلو في إلحاق الخسائر بالأرواح والأرباح معنوية كانت أو مادية.

السيد الرئيس، مازال عالمنا يصطبغ بألوان الحداد التي خطتها جائحة (كوفيد-19)،هذا الوباء ذو الطابع العالمي الذي اتصف بالقدرة التدميرية في إحداث الضرر وانتفاء الانتقائية في حصد أرواح البشر وفارضا موجات متكررة من الهيمنة الطارئة التي أحدثت اهتزازات متوالية مست في الصميم أنماط الحياة الحديثة بمختلف مناحيها الإنسانية والسياسية والاقتصادية والبيئية. فبمرور عابر على الأرقام والاحصائيات الدولية المسجلة سنلحظ حجم الندوب التي ستبقى حاضرة ولمدة طويلة في وجدان الضمير العالمي، فمن أعداد الضحايا التي تجاوزت أكثر من 4.7 ملايين نسمة ومن الاصابات المسجلة لأكثر من 231 مليون حالة مؤكدة وما حملته من أعباء لا تطاق وقعت على كاهل القطاعات الصحية والعاملين فيها، والذين يستحقون منا وقفة إجلال وتقدير على صمودهم في خط الدفاع الاول رغم الأهوال التي هددت بانهيار العديد من المنظومات الصحية حول العالم، إضافة إلى تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي بسبب تعثر خطوط الإمدادات، والذي أتى كنتيجة متوقعة للانكماش والركود الاقتصادي الحاد الذي لم يواجهه العالم منذ أكثر من تسعين عاما وتدني الخدمات التي تقدمها القطاعات التعليمية وبشكل خاص في الدول النامية والأقل نموا وبصورة باتت تهدد أكثر من أي وقت مضى بتراجع المكاسب المحققة وبشطب الانجازات المسجلة لأهداف التنمية المستدامة.

السيد الرئيس، إن المتتبع لوقائع التاريخ سيجد أن الأوبئة رغم جسامة آثارها لعبت أدوارا مفصلية باعتبارها محفزا رئيسيا للتغيير وإعادة البناء نحو الأفضل على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومن هذا المنطلق فقد كانت جائحة (كوفيد-19)بمنزلة مرآة للعالم عكست خلالها أوجه الضعف وأظهرت مواطن الخلل والتي تجلت في مظاهر مزمنة عدة منها ارتفاع معدلات الجوع والفقر وطول أمد النزاعات والتطور غير المنضبط للتكنولوجيا الحديثة وتداعياته على الأمن السيبراني وتفشي آفة الارهاب واستفحال ظاهرة التباين والتفاوت البنيوي والهيكلي بين الدول والذي أسهم في اتساع الفجوات بينها، كل هذه التحديات وأكثر وضعت العمل الدولي المتعدد الأطراف أمام محك يتسم بالمصيرية بين قابلية الاستمرار أو الجمود والانحسار.

ولعل من أهم الانعكاسات الايجابية للتغيير، والتي عمدت الجائحة الى إبرازها، ظهور أنماط حديثة من الإبداع والابتكار والتكيف ساهمت في خلق استجابات سريعة وأشكال متقدمة للتعاون داخل المجتمعات ذاتها أو فيما بين الدول، إضافة للطفرة العلمية البحثية التي تجسدت في السباق نحو دحر الوباء عبر إنتاج اللقاحات المتعددة التي أثبتت فعاليتها في إحداث التحصين المطلوب من الناحية التطبيقية بنسب مشجعة، إلا أن الرهان على قدرة المجتمع الدولي في الاستغلال الأمثل لهذه الأزمة لإحداث التحول إلى الأفضل لعالمنا يكمن في السعي الجاد لضمان تحقيق التعافي المستند الى أسس منصفة ومستدامة لا يتخلف فيها أحد عن الركب.

السيد الرئيس، إن الوصول إلى مبتغى التعافي يتطلب البدء بخطوات عدة من أهمها إيلاء الاستثمار في البنى التحتية للبيانات والمعلومات أولوية حاسمة، وذلك لأن توافر الأدلة المستندة إلى التقنية الرقمية سيسهم في تحسين عمليات اتخاذ القرار للبرامج والسياسات الهادفة إلى تعبئة الموارد وإعادة البناء بعد تجاوز الأزمة في سبيل حماية المجتمعات من أزمات مستقبلية مماثلة، إلا أن الخطوة الأبرز والأكثر إلحاحا تكمن في إيجاد وتيرة توزيع عالمي عادل وآمن لكل الدول للحصول على اللقاحات للوصول إلى مستويات التحصين الشاملة.

وفي هذا السياق حققت الكويت إحدى أعلى النسب العالمية المسجلة في توفير اللقاحات وذلك بنسبة وصلت الى 72% للمواطنين والمقيمين على حد سواء، وكذلك القدرة في الحفاظ على منظومتها الصحية من التداعي، وتواصل بلادي دعم الجهود الدولية لمكافحة وباء (كوفيد-19)، حيث بلغ إجمالي مساهماتها حوالي 327 مليونا و400 ألف دولار كان آخرها تقديم مبلغ 40 مليون دولار لتحالف (جافي) ومبادرة منشأة (كوفاكس)، وذلك سعيا منها لتعزيز الأمن الصحي العالمي وتحصينه.

السيد الرئيس، مازالت القضية الفلسطينية تشغل المكانة المركزية والمحورية في عالمينا العربي والإسلامي، وسيظل التوتر وعدم الاستقرار سائدا في منطقتنا ما لم ينل الشعب الفلسطيني كل حقوقه السياسية المشروعة وما لم تتوقف إسرائيل سلطة الاحتلال عن ممارساتها وانتهاكاتها للقانون الإنساني الدولي المتمثلة في بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي وإغلاق المناطق واستمرار فرض الحصار على غزة وتدنيسها حرمة الأماكن المقدسة، مؤكدين أهمية مواصلة بذل الجهود من أجل إعادة إطلاق المفاوضات ضمن جدول زمني محدد للوصول إلى السلام العادل والشامل وفق مرجعيات العملية السلمية وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ما قبل الرابع من يونيو 1967 وعودة اللاجئين، مشيدين في ذات الوقت بالأدوار التاريخية لوكالة الأونروا عبر تقديمها المساعدات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، مؤكدين أهمية استمرار تقديم الدعم لأعمالها.

السيد الرئيس، إن استمرار الأزمة السورية، والتي دخلت سنتها الحادية عشرة بكل ما تحمله من آلام إنسانية للمواطن السوري في الداخل والخارج، شاهد على أن غياب الإجماع والإرادة الدولية من جهة والتدخلات الخارجية من جهة أخرى كانا السبب الرئيسي في إطالة أمد هذا النزاع الدامي، ومن هنا نجدد قناعتنا الثابتة بعدم وجود حل عسكري لها وكذلك أهمية العمل للتوصل إلى تسوية سياسية وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة لاسيما القرار 2254 وبما يحقق ويلبي تطلعات وطموحات الشعب السوري الشقيق.

السيد الرئيس ارتبط استمرار الأزمة في اليمن الشقيق وما تحمله من تهديدات متزايدة وخطيرة للأمن والاستقرار الإقليمي بالواقع المرصود حول كيفية التعاطي مع قرارات ومخرجات مجلس الأمن ذات الصلة، ومن هنا نجدد موقفنا الراسخ بأن الحل الوحيد لهذه الأزمة هو الحل السياسي المبني على المرجعيات الثلاث المتفق عليها وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الامن لاسيما القرار 2216، مجددين دعمنا للمبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن، مرحبين في ذات الوقت بالأدوار البناءة التي قامت بها المملكة العربية السعودية الشقيقة من أجل تفعيل تنفيذ اتفاق الرياض وكذلك على مبادرتها للسلام في اليمن، مجددين بالوقت ذاته إدانتنا كل الاعتداءات والهجمات التي تعرضت لها الأراضي السعودية، ومؤكدين دعمنا كل الإجراءات والتدابير التي تتخذها المملكة للحفاظ على أمنها واستقرارها.

السيد الرئيس، شكل توصل ملتقى الحوار السياسي الليبي مطلع هذا العام، إلى انتخاب رئيس المجلس الرئاسي ونوابه وكذلك رئيس مجلس الوزراء، علامة مضيئة حول قدرة المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة على إحداث نقلة نوعية على طريق السلام الوعر الذي زاد من منزلقاته شيوع حالة الانقسام المؤسسي الحاد منذ أكثر من سبع سنوات والتي تفاقمت مؤشراتها الخطيرة على أمن واستقرار البلاد ودول المنطقة، مجددين دعوتنا للأشقاء الليبيين الى ضرورة تغليب المصالح العليا للبلاد وكذلك الحلول السلمية القائمة النابذة للعنف وضرورة الالتزام بمخرجات المؤتمرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بما يضمن الانتهاء من كل الترتيبات المطلوبة لعقد الانتخابات العامة في موعدها المقرر في 24 ديسمبر 2021، معربين عن تطلعنا لأن تؤدي تلك الجهود إلى التوصل إلى تدابير ضامنة لأمن واستقرار ووحدة ليبيا وتلبي تطلعات شعبها الشقيق.

السيد الرئيس، لعبت التداعيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية جراء تفشي الجائحة في شيوع حالة من الانكفاء العالمي وبصورة عمدت الجماعات الارهابية والمتطرفة الى استغلالها في المناطق المنكوبة بالصراعات أو تلك التي تعاني من الهشاشة الأمنية، حيث إن ما عانته منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص من تنامي العمليات التخريبية للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم (داعش) الإرهابي كان سببا رئيسيا لتكثيف الجهود لمحاربة هذا الخطر الحقيقي بجميع أشكاله وصوره والعمل على تجفيف منابعه والقضاء على مصادر تمويله والعمل على تفعيل الاتفاقيات الدولية والإقليمية المعنية بمكافحة الإرهاب.

وفي ظل ما تشهده عدة دول في منطقتنا من تنامي هذا الخطر المدمر في كل من اليمن وليبيا وسورية والصومال والعراق، فقد راقب المجتمع الدولي وباهتمام بالغ التطورات الدقيقة التي شهدتها أفغانستان مؤخرا، وفي هذا الصدد ندعو حركة (طالبان) وكل الاطراف إلى ضرورة ممارسة أقصى درجات ضبط النفس حقنا للدماء وتوفير الحماية الكاملة للمدنيين والتقيد بالالتزامات والقوانين الدولية والحفاظ على أمن واستقرار البلاد وحقوق ومكتسبات الشعب الأفغاني الصديق.

وعلى الصعيد الإقليمي ذاته، ومن المنطلقات المبدئية المتصلة بترسيخ قواعد حسن الجوار والواردة في ميثاق الأمم المتحدة، فإننا نجدد الدعوة للجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتخاذ تدابير جادة لبناء الثقة للبدء في حوار مبني على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتخفيف حدة التوتر في الخليج والحفاظ على سلامة وأمن وحرية الملاحة البحرية من أي تهديدات وبما يسهم في إرساء علاقات قائمة على التعاون والاحترام المتبادل وبما يعكس التطلعات المستقبلية لجميع دول المنطقة في حياة يسودها الأمن والاستقرار وبما يحقق الرخاء والتنمية لشعوبها.

ومن القضايا الشائكة ذات الطابع الإقليمي، شكل تآكل نظام نزع السلاح النووي تحديا ذا طابع وجودي لأمن واستقرار المنطقة، ونتطلع في هذا الصدد الى تضافر الجهود الدولية والإقليمية لإنجاح مقاصد المؤتمر المعني بإنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، والذي ستترأس الكويت دورته الثانية والمقرر عقدها في شهر نوفمبر القادم بمقر الأمم المتحدة بنيويورك.

السيد الرئيس، إن استمرار جائحة (كورونا) وإمعانها في سلب المنجزات التي حققتها الدول للوصول الى أهداف التنمية المستدامة قد أظهر مدى التشابك والترابط بين الأبعاد المختلفة للاستدامة، بحيث لم تكن قضية تغير المناخ والنظم الايكولوجية المرتبطة بها بمنأى عن موجات التأثر العالمية، وفي هذا الصدد نتطلع لأن تفضي نتائج مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي والمقرر عقده في مدينة (غلاسكو) في شهر نوفمبر القادم، الى إيجاد مراجعة بناءة تكفل قياس التقدم المحرز وإيضاح أوجه القصور استنادا لمبدأ المسؤولية المشتركة والأخذ بعين الاعتبار تباين المسؤوليات والأعباء وبما يحقق المساهمة في وقف التدهور البيئي الذي زاد من حدته الارتفاع الملحوظ بدرجات الحرارة وزيادة شدة العواصف والفيضانات وتقلص المسطحات الخضراء جراء تكرار ظاهرة حرائق الغابات في عدد من دول العالم والتي ستكون لها تداعيات بيئية وخيمة.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أجدد تمسكنا بالنظام الدولي المتعدد الأطراف وبمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة وبما يكفل تطوير وتعزيز الحوكمة الدولية لضمان تحقيق رسالتها السامية في حفظ السلم والأمن الدوليين وخدمة البشرية جمعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: الأنباء الكويتية

إغلاق
إغلاق