مقالات وكتاب

المبادرات العشر في إدارة العمل الوقفي «استحداث مصارف جديدة للوقف»

وقفة الاثنين مع الوقف

الخواطر الأسبوعية
في الإدارة الرسالية
للمؤسسات الوقفية

المبادرات العشر في إدارة العمل الوقفي :

استحداث مصارف جديدة للوقف :
الإدارة علمٌ وفنّ قائم بذاته. نعم إن الأنواع المختلفة من النشاطات تضفي خصائصَ وسماتٍ معينةً على نوع الإدارة؛ إلا أن للإدارة الناجحة من جهة العموم ملامح عامة وقواعد راسخة ومتجددة في آنٍ.
وقد كان لي ولله الحمد رؤية قديمة تتعلق بالإدارة، منذ تكليفي بعمادة كلية التربية الأساسية في الفترة ما بين: 1992- 1996م، وهو بالمناسبة أول تكليف بعمادة الكلية بعد تحرير الكويت وإعادة الإعمار. وكانت رؤيتي تتلخص في أن الإدارة الناجحة ينبغي أن تنطلق من منطلقين: الأول: إدارة العمل بمستلزماته التشغيلية اليومية وحل مشاكله الآنية والمستمرة، والثاني: وضع العين الأخرى على التطوير المستقبلي لإدارة العمل بما يرجع عليه بالتحسين والتجويد. ووفق هذا التصور: لا ينبغي أن تشغل إدارة العمل وحل مشاكله اليومية – رغم أهميتها – عن تطوير العمل، وكذلك لا ينبغي أن يشغل التفكير في تطوير العمل عن تسييره الراهن بشكل متقن وحل مشاكله، فهما جناحان متكاملان يطير بهما المدير الناجح محلقاً في نجاحاته .
وعقب تكليفي بالأمانة العامة للأوقاف: استثمرت هذه الرؤية الإدارية نفسَها في مكاني الجديد بحمد الله وتوفيقه، بالجمع بين الإدارة الآنية وما تتطلبه من مرونة وإتقان، على قدر الإمكان، ومحاولة التطوير وفتح الآفاق المستقبلية لذلك المجال؛ فلا ينبغي أن يكون الشكل التقليدي للإدارة، الذي يقوم على مجرد التسيير الوظيفي، مع كامل التقدير له والاعتراف بأهميته؛ هو الشكل الوحيد.
ومن هذا الباب فقد اهتممت بتقديم مبادرات كثيرة تطويرية في الأمانة العامة للأوقاف، ولله الحمد، وسأشير هاهنا إشارات عاجلة لبعض هذه المبادرات.
فقد رأيت قبل أن أضع أي تصور لتطوير الأمانة: ضرورةَ إجراء التنسيب للمصارف، والمقصود بهذا الإجراء هو تحديد النِّسَب المختلفة لمصارف الأوقاف التي تحت إشراف الأمانة، وسيأتي الكلام على تنسيب المصارف في خواطر قادمة بإذن الله تعالى، وأنا أعتبر هذا الإجراء في حد ذاته: من الإنجازات المهمة التي تمت، وذلك لأنه لا يمكن التحرّك نحو التفكير في حل المشكلة فضلًا عن التطوير دون الوقوف على الوضع الراهن وتصوره تصورًا صحيحًا، وهذا من أبجديات المنهج العلمي في التفكير. وبناء على ذلك، وبعد إجراء تنسيب المصادر وجمعها وتحليلها تحليلًا إحصائيًّا؛ تبيَّن أنّ نصيب الأسد من مصارف الوقف كان للمساجد. وفي الواقع فإننا لا نلوم الواقفين السابقين على ذلك؛ لأن هذه الوقفيات كانت في غالبها الأعم قديمة، وكان أهلنا في الماضي ووفق حاجات الماضي المحدودة يرون أن أهم أوجه الإنفاق الخيري تتمثّل في المساجد والمصروفات المطلوبة لتفريغ الإمام والمؤذن بالإضافة إلى مُستلزمات التجهيز، ثم كان البند الثاني من حيث الترتيب هو مصرف السقيا ثم مصرف الإطعام، ثم تأتي عموم الخيرات بنحو نصيب الثُّلُث من إجمالي مصارف الوقف.
وفي ضوء هذه النتائج الإحصائية الدالّة؛ فقد ارتأيتُ أنه لابد من تشجيع عموم الناس، وبخاصة الواقفين منهم؛ على استحداث مصارف جديدة للوقف الإسلامي، تجعل صفة الوقف هي الحداثة ومواكبة العصر ومتطلبات الواقع، والتي تمكننا من تلبية الكثير من احتياجات الأفراد، والمؤسسات – وهذا هو الأهم – التي تطلب المساعدة والانتفاع من مصارف الأوقاف، وكانت محدودية المصارف التي تحت تصرفنا في الأمانة تغلُّ أيدينا عن تعظيم الاستفادة منها، فإذا وسّعنا مصرف عموم الخيرات فإن هذا سيكون مناسبًا.
ومما أعتزُّ باستحداثه أيضًا: إنشاء الأوقاف الجديدة في الدول الإسلامية الفقيرة، ولا شك أنَّ لهذا دورَه الواضح في تنمية تلك المجتمعات اجتماعيًّا وعلميًّا.
ومن الأفكار التي أسهمت في تقديمها آنذاك بحمد الله وتوفيقه، وهي جديدة على الواقع الوقفي، وأحسب أنها مفيدة جدًّا في البُعد التطويري والاستراتيجي للوقف: إنشاء أوقاف مخصصة لإعادة إعمار الأوقاف القديمة التي تحتاج إلى إعادة إعمار دون أن يوجد رصيد مال كاف لترميمها. فكثير من الأوقاف، التي رُصدت لأجلها أموال كثيرة؛ لا تفي بالمصارف التي وُقفت لأجلها، والسبب الرئيس في ذلك هو قلَّة كفائتها، فالوقف يحتاج إلى صيانة وعمارة، على مختلف الأصعدة بحسب نوع الوقف، سواء أكان عقارًا أم أرضًا أم مكتبة أم مشفى أم غير ذلك، ومن الصحيح أن إعمار الوقف يمكن أن يكون من ريعه؛ لكن ذلك سيعود على مصارفه الأساسية بالنقص. ولذلك فإن إنشاء الأوقاف التي يكون هدفها صيانة الأوقاف وعمارتها فكرة ضرورية، ومؤثّرة في تحقيق الوقف لأهدافه.
ومما استُحدِث بناءً على طرحي ولله الحمد والمنة: إنشاء الأوقاف في البلاد غير الإسلامية لصالح الجاليات والأقليات المسلمة فيها، بما يلبي احتياجاتهم ويكفهم عن سؤال غير المسلمين في هذه المناطق. ولا شك أن لهذا فوائده المهمة، شرعيًّا – وهذا واضح – وحضاريًّا أيضًا، فإن الحفاظ على الصورة الطيبة للمسلمين في الخارج؛ يعود بالأثر الإيجابي على صورة الدين نفسِه، فكلما كانت الجالية الإسلامية مكتفية وصحيّة ومتعلمة؛ كلما كان ذلك بمثابة الدعوة بالفعل وبالقدوة الحسنة والنموذج الأمثل، وبشكل عفوي واقعي لا تعجيزي مثالي.
كذلك اجتهدتُ في تقديم بعض الاقتراحات الوقفية للحكومة، من خلال وزارة الدولة للتخطيطـ، لكنها لم تر النور مع الأسف، حيث لم تكن لها مخصصات من الحكومة، منها على سبيل المثال لا الحصر : وقفية التوعية المرورية؛ لأن السيارة – كما لا يخفى على أهل الكويت والمقيمين فيها – هي السفاح الأكبر في دولة الكويت، وتأتي بعد أمراض القلب كثاني أسباب الوفاة في الكويت وربما في العالم!، فرغبتُ في وضع وقف متواضع، يكون هدفه التوعية والتثقيف اللازم، بجميع وسائله؛ لأجل رفع مستوى الثقافة المرورية، بما يُسهم في تقليل نسبة الحوادث المرورية.
كان ما تقدَّم بعضُ الأفكار المتواضعة التي أسهمتُ فيها بالتعاون مع الإدارات المختلفة للأمانة العامة للأوقاف في المدة التي كُلِّفتُ فيها بالأمانة؛ في استحداث مصادرَ جديدة للوقف. وإني لأرجو الله تعالى أن تكون سببًا – ولو بسيطًا – في تجويد العمل الوقفي، وتحقيق رسالته على خير ما يُرام. وكذلك أرجو أن تكون قد فتحتْ نوافذَ جديد للاجتهاد في هذا المجال الذي ما زال خصبًا بخصوبة عقول أبنائه، وتجدد حاجات مجتمعه، ونُبل رسالته، وسموِّ غرضه. فتتكامل الجهود، وتتراكم الخبرات، من جيلٍ إلى جيل، ويستمر العطاء.

د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي
الأمين العام السابق للأمانة العامة للأوقاف
بدولة الكويت

 

إغلاق
إغلاق