مقالات وكتاب
عقدة الانتظار
بقلم: يحيى حمود الدخيّل
الانتظار لما سيأتي أو سيحدث أمر لا يكاد يخلو منه فكر انسان كائنا من كان ، كبير ا أو صغيرا ، أميرا أو مأمورا ، رجل أو امرأة ، غني أو فقير .
والخطر يكمن في أن يتحول فكر الانسان بالكامل للانتظار ويُقعده ذلك عن العمل والاجتهاد .
لنبدأ من طالب المدرسة مثلا ، ما إن يبدأ الاسبوع حتى يبدأ يفكر في نهايته وعطلة الأسبوع ، والموظف ما أن يبدأ يومه حتى يشغل تفكيره متى سيخرج ! أو متى سيأخذ إجازة ، والفتاة تفكر غالبا متى ستقابل فارس الأحلام أو تتزوج ، والفقير ينتظر متى ستحصل له فرصة الغنى ويعيش في بحبوحه ، والغني ينتظر متى سيصبح رقمه الأول أو من الأوائل ( إذا كان لابن آدم واديا من ذهب لأحب أن يكون له آخر ) ، ومن ليس لديه ولد ينتظر الولد ومن الناس من ينتظر متى سيرث ومنهم من ينتظر متى سيحكم والجماعات والكتل تنتظر متى ستقود الساحة …..إلى آخره من قوائم الانتظار .
عقدة وداء الانتظار خطير جدا على البشر إذا لم يُضبط ، وفرق كبير بين من يخطط لأمر مستقبلي وبين من يثبَطه التفكير والانتظار عن العمل ،وهناك فرق آخر مهم جدا بين الصبر المشروع والممدوح وما أقصده من داء الانتظارالمذموم ، ويجب ان ننتبه لهذه النقطة المهمة جدا فهي من التلبيسات الإبليسية التي تدخل على الناس وتُقعدهم عن العمل والاجتهاد والحركة . فالنبي عليه الصلاة والسلام الذي كان يقول لاصحابه : (ولكنكم تستعجلون ) في الحديث المشهور آمرا إياهم بالصبر ويقصد به تحمَل الصعاب وليس انتظار النصر فهو عليه الصلاة والسلام يدرك تماما معنى قوله تعالى : ( فإمَا نرينَك بعض الذي نعدهم أو نتوفينَك ) فكما كان يأمرهم بالصبر كان عليه الصلاة والسلام يعمل ليلا ونهارا بالدعوة ويأمر أصحابه الخلَص الاجتهاد والدعوة بكل ما أوتوا والهجرة أحيانا لبعضهم ممن لا يتحمَل التعذيب .
إن أخطر ما وقعت به الجماعات والأفراد بل والأمة أن يبرر المرأ لنفسه بقعوده بإن الله مع الصابرين أو الصبر مفتاح الفرج وإن الله يحب الصابرين إلى آخره ويقعده ذلك عن التغيير أو التطور والتحرك والاقدام بأي أو مشروع وعمل خوفا من الفشل من جهة وتمنية لنفسه بقعوده صبرا بمشروعية ما يقوم به من جهة أخرى فهو يظن أنه من الصابرين الذين يحبهم الله !!!! وهذا ما جرّ الكثير للركون للواقع دون الاجتهاد لتغييره لظنهم بأنه رضا بما قسمه الله أو رضا بالقدر . وهذا المفهوم من المفاهيم الخطيرة وداء ابتليت به الامة فقعدت وانتظرت المخلص أو الخلافة الراشدة أو القائد الرباني أو لأمرٍ من عنده سبحانه ، فزاد الزبد والغثاء وهو ما يرمو له الشيطان من ترويج مفهوم الصبر المصاحب للركون والقعود .
والصبر المشروع يختلف كليا عن ما أحذّر منه من داء وعقدة الانتظار ، فالصبر المأمورين به والمشروع هو :
– أن نصبر على بلاء أو مصيبة وقعت علينا فعلا .
– أو الصبر عن المعصية واللذة المحرمة.
– أو صبر انتظار النتائج بأن نصبر لكي نحصل على نتيجة لعمل أو جهد قد قمنا به فعلا . فلا بد أن يصاحب صبرانتظار النتائج جهدا وحركة وتخطيط وتنفيذ وليس قعود وخنوعا وتواكل .
وإلا لخالف مفهوم الصبر مفاهيم شرعية أخرى كثيرة مثل البركة والتبكير والعمل والاجتهاد والجهاد وغرس الشتله حتى وإن قامت الساعة وغيرها من الاحاديث والسير النبوية العطرة التي تأمر بالعمل والجهاد والحركة . ومن الملاحظ أن كلمتي الحركة والبركة لهما نفس الوزن كما في المثل المشهور .
فلا تجرى البركة للكسول الراكد التي يعيش على مبدأ ( الله لا يغيَر علينا ) بل نرجو الله أن يغيرعلينا للأفضل وهو ما يجب أن يطمح له الانسان أن يكون يومه خيرٌ من أمسه وغده خيرٌ من يومه .
لذا فإن للإنسان ما سعى سواءً كان صالحا أو طالحا ، وهو من قوانين الكون التي يدركها جيدا الناجحين.
ولكن أحبتي الكرام ما بالكم إذا صاحب هذا السعي والحركة والاجتهاد ثلاثة أمور :
– النية الصافية لله وهي ما لا يعلمها إلا الله .
– وموافقة العمل للشرع وهدي النبي عليه الصلاة والسلام .
– العدد الكافي من الحواريين و الفاعلين .
وبالمناسبة فإن النقطة الأخيرة وأقصد بها العدد المطلوب لنجاح أي مشروع أممي ضخم
سألت عنه أحد العلماء فأرشدني لحديث عظيم لا يلتفت له الكثير وقد نبهني لفائدة رياضية من هذا الحديث :
( الناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة). فمن كل مئة يكاد يخرج لك واحد يعوّل عليه وهكذا .
فالمشاريع الأممية الكبرى تحتاج لهذه الثلاث أمور . ولو تتبعنا نجاح الأنبياء وانتشار دعوتهم لوجدناها مرتبطة طرديا بتوافر هذه الشروط الثلاث .
لا أريد أن أطيل بهذه النقطة على أهميتها ولعلي أبحث وأستخرج أكثر لاحقا من أحاديث خير البشر ما ينفع في هذا الشأن .
وعودة على موضوعنا : عقدة الانتظار أقول :
إن الانتظار المشروع هو ما يكون بتخطيط وبعمل وحركة ورغبة في التغيير وطول نفس (صبر )
أما الانتظار المحبط عن العمل والمبقي على الروتين اليومي ، والخوف من الاقدام فهو داء وعقدة يجب التحذير منها .
اركض برجلك هذا مغتسل باردٌ وشراب ( غيَر وتحرك) هذا الامر جاء لمن يُضرب به المثل في الصبر على البلاء أيوب عليه الصلاة والسلام .
لا تتوقع أن يأتيك أمر أو يتغيير وضعك وأنت على أريكتك وتمارس حياتك الروتينية دون مغامرة أو إقدام ، حتى وإن كنت من أعبد العابدين وتدعي أنك على المنهج الحق . فالمنهج الحق لا يقول لك اجلس واصبر وتوكل دون عمل ، بل تحرك وغيَر إيجابيا وتفاءل وبادر وابدأ عملك باكرا فالبركة في التبكير وبورك للأمة ببكورها وبعد ذلك اصبر حتى يأذن الله عز وجل بالنتيجة ، ولست موكل بها .
فعش يومك وساعاتك ودقائقك لحظة بلحظة ، وكن حاضرا – ولا تسرح بفكرك كثيرا ( طبعا لا أقصد الخيال الإيجابي فهو مطلوب وسأفصل له مقالا بإذن الله لأهميته ولأوضح الفرق بينه وبين السرحان وشغل البال بما هو غائب ومستقبلي) تمتع بوجودك مع من حولك وفي عملك وفي مدرستك وبين اسرتك وحتى في خلوتك ونومك ، واستحضر دوما التوكل على الله نعم المولى وهو يحب المتوكلين وليس المتواكلين .