مقالات وكتاب

ندم المتميز بعد التقاعد على الإخلاص

بقلم : عصام عبداللطيف الفليج

لا يختلف اثنان على أن العمل يشترك فيه الجاد والمستهتر، والمخلص وغير المبالي، والمتميز والعادي، وتبقى عقدة الموظفين الدائمة على مختلف المستويات الشعور بالمظلومية، واستحقاق الأفضل.. الخ، وأكثر من يشعر بذلك من عمل بجد وترقى غيره في المناصب الإدارية وسط قفزات وسائطية.

يحرص الموظف الجاد على الإخلاص والتميز لمبدأين رئيسين:

الأول: أداء واجب، والتزام أخلاقي، وراحة ضمير، والأهم من ذلك كله رضا الله عز وجل.

والثاني: الارتقاء الوظيفي، وارتفاع الدخل (درجات، مكافآت..).

إلا أن هذا الموظف (المخلص) يمر بتاريخ طويل مؤلم ومزعج، عندما يرى من هم أقل منه شأنا ومستوى وأداء ينالون المناصب الإدارية، والحوافز والدرجات والمكافآت، واللجان والمهمات الرسمية والمؤتمرات الخارجية، وحتى السيارة والسائق والمندوب والسكرتير والفراش.. الخ، والذين يخدمونه شخصيا، لكنه (الموظف المخلص) يستمر في مبادئه وقيمه، ويدعو بالهداية للمسؤول الأكبر.

يمر الوقت، وتفوته الفرص، ويتقاعد بدرجة ومستوى إداري أقل من غيره، وإذا جلس في الديوانية وسئل عن الموجودين، استذكر الماضي وقال: هذا الوكيل كان موظفا عندي، وهذا المدير كان تحتي، يقول ذلك بافتخار وتحسر في الوقت نفسه!

يقول أحد المدراء: هذا الشخص كان موظفا عندي، وكان كسولا، وينام على المكتب، ومستواه الثقافي والفكري متواضع جدا، ويأخذ أقل درجات التقييم، والآن هو بدرجة وكيل!

ويقول آخر: لدينا مجموعة مسؤولون، يتصف أقلهم كفاءة بتدني مستواه الفكري، وأحيانا بالغباء، ولكنه أكثرهم حظوة وترقية و.. و..!

وبلا شك أن أمام كل شخص منا قصة، بل قصص، ولو فتحنا الباب لما أغلقناه من مثل هذه النماذج، لسبب بسيط يعود لثقافة المجتمع القائمة على المحاباة والتوصيات والعلاقات الاجتماعية، دون مراعاة للآخرين أو للظلم أو مفهوم العدالة، وذلك حتى على مستوى القطاع الخاص، ولكن بشكل أقل.

وأمام ذلك كله يقف ذلك الموظف الجاد المخلص المتميز وقفة تقييمية، هل يستمر بنفس العطاء، أم يتوقف؟!

هذا النوع من البشر لا يعرف الإحباط، ويلتزم بمبادئه، وسيظل يعمل ويعمل حتى لو ضيقوا عليه وقلصوا صلاحياته، لأنه يتنفس الإخلاص، ويرجو رضا الرب، فيحتسب ويصبر حتى يتقاعد، أو يحال للتقاعد.

ولو سألته بعد التقاعد: هل ندمت على الإخلاص؟ ستكون الإجابة «لا»، لأنه صاحب مبدأ، ولكنه قد يراجع نفسه بأنه ليته لم يقتل نفسه قتلا من أجل العمل، ولقدم الإخلاص بما يتناسب مع تعامل المسؤولين معه.

ولما تخاصم مع هذا، وشد مع ذاك لأجل العمل، لأنه خسر الناس دون أي إحساس، نعم دون أي إحساس من المسؤولين الذين يريدون النتائج فقط، ويضغطون على المخلص، ويتحاشون غير المنتج.

ولعلها دعوة للشباب.. كونوا أصحاب مبدأ في العمل، وثقوا بأنه لا يوجد ما يستدعي الخصام مع الزملاء، ستكتشفون بعد فترة من الزمن أن المسؤول لا يهمه ذلك كله، ولا يحمي موظفيه، ومن لا يعمل بنظام «فريق العمل» لن يعين صاحبه. فاعملوا بإخلاص لله فقط، وأحسنوا علاقتكم مع الآخرين، ولا تخسروا أحدا لأجل أحد آخر.

إغلاق
إغلاق