مقالات وكتاب
شيوخ الرحمة

كان مقدرا له أن يذهب لإكمال دراسته في الولايات المتحدة بعد أقل من شهرين، ويشاء الله أن يطلب منه زميل له أن يحل محله في الدوام في ذاك اليوم لوجود ما يشغله في المنزل فيفعل، ويكون في ذلك التصرف نهايته ونهاية كل أحلامه. في ذلك اليوم المشئوم نفذ بعض الضباط محاولة انقلابية ضد الملك الحسن الثاني ملك المغرب انطلاقا من قصر الصخيرات حيث كان الملك يقيم حفلا كبيرا ضم عددا كبيرا من الضيوف مات كثير منهم في المجزرة التي تمت في ذلك القصر، وانتهى الانقلاب بفشل ذريع ذهب ضحيته أبرياء كثر من الضباط ومن طلبة الكلية العسكرية ممن ظنوا أنهم ذاهبون في استعراض عسكري ومناورة، ولم يكن لديهم علم بما يخطط ضد الملك، ومن بينهم ذلك الشاب ذو الحظ السيء الذي كان أول المتوفين في السجن. محاولة الانقلاب أدت إلى القبض على العساكر بطريقة (الكراف) فدخل السجن ضمن من دخل شباب ورجال أبرياء لا علاقة لهم بتاتا بما حدث، ونتيجة لظروف السجن التي لا يمكن وصف مدى بشاعتها مات 29 من بين ال 58 هم مجموع من حكم عليهم بالسجن في ذلك المعتقل الرهيب الذي أنشيء بطريقة أن يكون فرنا في الصيف، وثلاجة في الشتاء، وزريبة طول العام. يقول كاتب تزمامارت أحمد المرزوقي “تفكيرنا
كان محصورا بالجوع والبرد” وكأنه في تلك العبارة البسيطة يرد على البطرانين بالنعمة عندنا ممن لا يعجبهم أننا نتمتع بكل ما يتمناه الإنسان الطبيعي من طعام وشراب وملبس ومسكن وأمن وأمان، ويكررون على مسامعنا أن الحيوانات فقط هم من يهتم بالمأكل والمشرب، فليتهم يقرأون تلك السيرة الروائية المرعبة ليعرفوا كم الرحمة والإنسانية التي يتمتع بها حكامنا آل الصباح وأنهم لا يستحقون ذلك التطاول البذيء عليهم من قبل البعض. الرواية صادمة، ومظاهر الوحشية والقسوة فيها من قبل الجلادين الموكلين بحراسة أولئك السجناء المتعوسين شيء يصعب تسطيره في تلك الزاوية القصيرة، وفي كل صفحة تتحدث عن السجن أتساءل هل يمكن أن يكون أولئك السجانون بشر، دع عنك أن يكونوا مسلمين ينتمون لدين الرحمة، ولكن صدق من قال (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون). للمرة المليون نحمد الله أننا ننتمي لهذا البلد الطيب، وشيوخه الذين يستنكفون عن أن تتلوث أيديهم بالدماء، ولا يقتلون شعبهم كما يفعل غيرهم، ويكفي أن حياة المحكوم بالسجن عندنا محفوظة، وحقوقه الإنسانية مكفولة، فاللهم أدم علينا نعمتك واحفظها من الزوال.
عزيزة المفرج