مقالات وكتاب
لندني يدهس مصلين.. والمسلمون ينقذونه من القتل
بقلم: د. عصام عبداللطيف الفليج
فوجئ المصلون بعد انتهاء صلاة التراويح في مركز دار الرعاية الإسلامية شمالي لندن، بشاحنة كبيرة يقودها إرهابي متطرف كان ينتظرهم ليدهسهم، ويحيل مشاعر العبادة في تلك الليلة إلى كابوس ورعب، ليسجل التاريخ يوم الاثنين 19 يونيو 2017م يوما أليما في تاريخ بريطانيا.
والملفت هذه المرة أن جميع ضحايا هذا الحادث كانوا مسلمين، والصدمة الأكبر التي فوجئ بها المجتمع البريطاني بهذا الحدث الإرهابي، أن الفاعل بريطاني أبيض مسيحي يحمل أفكاراً متطرفة، خلف قتيلاً و11 جريحا، اثنان منهم في حالة خطرة.
وقد ألقى المصلون القبض على الإرهابي، وأرادوا الانتقام منه، فبادر إمام المسجد بمنعهم وإنقاذه منهم، وحجزه وتسليمه لرجال الشرطة، ما لفت أنظار الصحافة وأجهزة الأمن، لهذا الموقف الحضاري الذي يحسب للأقلية المسلمة.
وتم إدارة الأزمة بشكل متزن، وشكلت دار الرعاية الإسلامية لجنة للتعامل مع الحدث بشكل حضاري، بالتواصل مع وسائل الإعلام، ومع السلطات المحلية، وتهدئة الأوضاع في المنطقة، واستقبال المسؤولين من أعلى المستويات، والتي كان لها الأثر الأكبر في استقرار الأمور وعدم تصعيدها.
وتفاعلا مع هذا الحدث الجلل، قامت شخصيات كبيرة بزيارة مكان الحدث؛ تمثلت في كل من: الأمير تشارلز، ورئيسة الوزراء تيريزا ماي، وعمدة لندن صديق خان، ورئيس حزب العمال جيريمي كوربن، ورئيس أساقفة بريطانيا جوستين ويلباي، ورئيس الشرطة، وممثلي الديانات المختلفة، ومسؤولي المجتمع المدني، ومسؤولى السلطات المحلية، الذين كانوا يقومون بزيارات ماراثونية لمكان الحادث، ولمسجد آخر قريب من دار الرعاية، حفاظا على الأمن، وعدم تكراره.
وندد الجميع بهذا الفعل الشنيع الذي رفضوه، وأجمعوا على أن مثل هذه الأفعال تقسم المجتمع، وتزرع الكراهية في أوساطه، مؤكدين أن هذا لن يحدث، وأبدوا تعاطفهم الكبير معها ومع الضحايا.
وتوالى حضور المواطنون البريطانيين لموقع الحادث على مدى أيام، حاملين معهم الزهور ولافتات التعاطف واستنكار الحادث، ورفضهم للتطرف وتقسيم المجتمع، وشارك أطفال المدارس بهذه الزيارات، وتقديم رسومات تضامنية بريئة.
وقد التزم المسلمون قاطبة، وأهالي الضحايا خاصة بضبط النفس، وعدم فسح المجال لأي رد فعل سلبي، حفاظا على النسيج الاجتماعي.
بل كان للمسلمين البريطانيين يد السبق بإنقاذ سكان العمارة التي احترقت قبيل الفجر، بعد خروجهم من صلاة القيام في العشر الأواخر من شهر رمضان، فكانت بادرة إنسانية رائعة.
كل ذلك جعل رئيس الوزراء تيريزا ماي تدعو لإعادة النظر في كيفية التعاطي مع التطرف، وتغيير استراتيجية الدولة في محاربة هذه الظاهرة، خاصة بعد عدم تحقيق استراتيجية الحماية (Prevent) حل المشكلة، والتي زادت في عزل الأقلية المسلمة واتهامها بالجملة. ولاحظ المسؤولون حقيقة شحن الإعلام المتطرف ضد المسلمين، وثبت أن الإرهاب لا لون له ولا دين ولا وطن.
لقد عرف البريطانيون منذ القدم بالفطنة والتأني، وهذا ما نراه في قراراتها داخليا وخارجيا، وقد استوعبت عبر سنوات طويلة العديد من الجاليات والأديان والطوائف، وهي تحفظ حقوق الأقليات واللاجئين، وما نزول الأمير تشارلز شخصيا، ورئيس الوزراء إلا دليلا على رفضهم لأي تفتيت للمجتمع البريطاني.
وهذه هي أخلاق المسلمين.. رغم أن الذي دهس المصلين وقتلهم هو لندني مسيحي أبيض، إلا أن المسلمين البريطانيين لم يعاملوه بالمثل، وأنقذوه من القتل، وهم من بادروا بإنقاذ سكان العمارة المحترقة في لندن، دون معرفة دينهم ولا لونهم ولا عرقهم، وهنا يجب أن ننشر التسامح الحقيقي إعلاميا وثقافيا وفكريا، لا أن نشوه الصورة بأفعال فردية.