مقالات وكتاب
حوارٌ.. في ولاية القمار “نيفادا”
بقلم: عبدالعزيز قاسم
إعلامي وكاتب سعودي
وأنا أتأمل، عبر نافذة غرفتي في الفندق، قمم الجبال التي تجلَلت بالبياض، وتحيط مدينة “رينو” بولاية نيفادا، حيث الثلوج لم تذب بعد، فيما النهر المنحدر من الجبال، الماخر بقوة بجوار الفندق؛ يزيدني حيوية وحياة، لأرسل بصري تجاه وسط المدينة، لتصطدم بتلك الفنادق الكبيرة، التي عُلّقت لوحات كبيرة جداً على جُدرها الخارجية، تقول بالكازينوهات الحمراء التي تحويها؛ لينبجس السؤال بنفسي: لماذا جلبونا لهاته الولاية التي تشتهر بالقمار، والتي تحتوي ضمن مدنها؛ المدينة الأشهر “لاس فيغاس” عاصمة القمار بالعالم كله، ونحن أتينا للحوار مع قادة للأديان؟
عندما بدأ موعد اللقاء، إذا بالطاولة أمامنا، وقد انتظمت كراسيها الثمان ستة رجال وسيدتان، يمثلون أغلب الأديان في هذه المدينة، وبدأ كل واحد منهم بالتحدث والتعريف بدينه بشكل موجز، فكان فيهم من مثّل البهائية والكاثوليكية والبوذية والهندوسية واليهودية والكنيسة الأنجليكانية وطائفة المورمون، وبالطبع كان فيهم من مثّل الإسلام، وهو أستاذ أكاديمي من أصول مصرية.
ربما يستنكر البعض من القراء هذا التجمّع، فلم نعتد عليه في مجتمعاتنا، ولكن من يعيش في الولايات المتحدة، يعرف ضرورة مثل هذه التجمعات بين أتباع الأديان، للتعاون في المشتركات بينهما، وأن البيئة هنا تحتم عليهم مثل هذا التعايش والتعاون، وظني أنه بات حتما أيضا على مستوى كل العالم، أمام التحديات العالمية التي تواجه الأديان السماوية.
نسبة المسلمين في الولايات المتحدة لا تتجاوز 1%، فضلا عن بقية الأديان والثقافات الأخرى، نسبٌ بسيطة جدا، في مقابل النسبة الأكبر 69% للمسيحية، بحسب استطلاع في العام 2017، منشور في الويكيبيديا. الدين المسيحي يشهد تراجعاً لافتاً في أمريكا، مقابل تنامٍ سريعٍ وكبيرٍ لنسبة الملاحدة و”اللاأدريين” الذين بلغوا نسبة 23% بحسب مركز “بيو” للاستطلاعات في عام 2014.
وقتما انتهى المحاضرون من التعريف بدياناتهم، وما يقدموه في مجتمع نيفادا؛ فتح باب المداخلات والأسئلة، وبادرتهم في مداخلتي بقولي: “سعيدٌ جداً بما أراه أمامي، أنتم نموذج إيجابي وخلاّق للتعايش والتعاون بين أبناء الديانات، وأودّ بين يدي كلمتي تصحيح اللافتة التي أتينا تحتها، ومكتوبٌ فيها حوار الأديان، وأتصوّر أن الحوار ليس بين الأديان، بل بين أتباع الأديان والثقافات، وثمة فرق دقيق ومهم تميّزونه بين العبارتين”.
أكملت: “بلادي، المملكة العربية السعودية، كانت مبادرة في هذا الحوار والتعايش الذي تمثلونه اليوم هنا خير تمثيل، فأودّ أن أذكركم بما فعله مليكنا الراحل الحبيب عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله، عندما أنشأ مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، وجعل من عاصمة النمسا فيينا مقره، والعالم يذكر المؤتمر الكبير المدوّي الذي رعاه في مدريد، ومن ثم في نيويورك هنا”.
كنتُ أتفرّس في تعابير وجوههم، أثناء قيام المترجم بترجمة كلامي، وكانوا منتبهين بكثير من الإنصات والأدب والتطلع لما سأقوله، ما شجعني أن أكمل وأقول: “أمين عام رابطة العالم الإسلامي معالي د. محمد العيسى، نال قبل أشهر قليلة، هنا في الولايات المتحدة، جائزة «السلام العالمي للأديان»؛ تقديراً لجهوده الدولية في تعزيز السلام بين أتباع الأديان، لذلك أنا أتكلم أمامكم بكل ثقة، فخورٌ بما أسهمت به بلادي السعودية عبر قادتها ورجالاتها في هذا المجال، مكرسةً نهج الاعتدال والوسطية والإسلام الحقيقي المنفتح على الحضارات الإنساني…